#مقالات رأى

لماذا تشقى المرأة في مجتمعنا؟!

د. رامي عطا صديق

 

بداية فإن عنوان المقال ليس من عندي، بل هو عنوان مقال كان الكاتب الصحفي الراحل الأستاذ وديع فلسطين (1923-2022م) قد نشره في جريدة (الإنذار)، لصاحبها الأستاذ صادق سلامة الذي أصدرها في مدينة المنيا بصعيد مصر بين عامي 1930م و1955م، حيث يشير الأستاذ وديع في المقال الذي نشرته (الإنذار) في 5 يونيو 1955م، إلى بعض مظاهر الانتقاص من وضع المرأة ومكانتها في المجتمع المصري، ومن ذلك مثلًا تفضيل البعض إنجاب الذكور على إنجاب الإناث، وتعرضها لعملية الختان الوحشية، وحرمانها أحيانًا من حقها في الميراث، وتقييد حريتها في القبول أو الرفض عند الزواج، وغيرها من مشكلات، بينما يتيح المجتمع للرجل أن يفعل أي شيء! وهو يتساءل في نهاية مقاله قائلًا “إلى متى نرتضي هذه الأوضاع التي تعمل جاهدة جادة على قتل المرأة قتلًا نفسيًا وحسيًا وحرمانها من حقها في الحياة؟؟”.

تذكرت هذا المقال وأنا أتابع قرب الاحتفال بحملة الستة عشرة يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة، وهي واحدة من أكبر الحملات العالمية والمبادات المجتمعية، حيث تتبناها الأمم المتحدة، ويشترك فيها الكثير من دول العالم، وتستمر خلال الفترة من 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر من كل عام، حيث تختتم الحملة أنشطتها وأعمالها في يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كان قد صدر في 10 ديسمبر 1948م.

نعم لقد حققت المرأة المصرية الكثير من المكتسبات عبر السنوات الماضية، في مجالات التعليم والعمل والمشاركة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وظهرت المؤسسات المعنية بحقوق المرأة مثل المجلس القومي للطفولة والأمومة 1988-1989م، والمجلس القومي للمرأة 2000م، كما زاد الوعي بدور المرأة ومكانتها في المجتمع، وأصبحت تتولى الكثير من المناصب وتتقلد العديد من مواقع المسؤولية، في الوزارة والإدارة المحلية، والقضاء ومجلس الدولة والنيابة العامة، إذ هكذا تسير الدولة المصرية ومؤسساتها بخطى واضحة في مسار تمكين المرأة وتنميتها والنهوض بها.

ولكن على الرغم من الجهود التي تبذلها مؤسسات الدولة، الحكومية وغير الحكومية، فإن موضوع تمكين المرأة وتحقيق حريتها ونهضتها يحتاج إلى استمرار تلك الجهود ودعمها من خلال مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، حيث الأسرة والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والفنية والإعلامية والتشريعية، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني، إذ مازالت المرأة المصرية تعاني من بعض الهموم والقضايا والمشكلات، صعاب هنا وتحديات هناك، في الريف والمدينة، وعلى مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية، مثل مشكلات الختان والإرث والتحرش وخطاب التمييز والكراهية..، وإن كانت هذه القضايا قد شهدت اهتمامًا واضحًا ووقفة صريحة من جانب مؤسسات الدولة خلال السنوات الأخيرة على مستوى التوعية والتثقيف وعلى مستوى القوانين والتشريعات.

إلا أن المعاناة الأكبر من وجهة نظري تكمن في الاعتقادات الثقافية الخاطئة والتقاليد الاجتماعية البالية التي يؤمن بها البعض، والتي مازالت ترى أن الرجل أعلى من المرأة شأنًا وأنه أفضل منها وضعًا أو أنه أكثر منها ذكاء وحكمة، وأن المرأة مكانها البيت، حيث ينحصر دورها في مهام تقليدية معينة مثل تنظيف المنزل وإعداد الطعام لأفراد الأسرة، على طريقة “أبي يقرأ الصحيفة وأمي تقف في المطبخ”، بينما الزواج في حقيقته حياة شركة وتعاون.

ليس هذا فحسب بل إن هناك تصورات ذهنية سلبية مسبقة عن المرأة، مثل عدم قدرتها على القيادة والإدارة، وافتقادها للحكمة والفطنة، وتغليبها للمشاعر والعواطف على حساب العقل والمنطق، فضلًا عن تنميط المرأة وقولبتها من خلال وضعها في قوالب جامدة، تربط بينها وبين انطباعات سلبية مثل إثارة شهوات الرجل واللهاث وراء الثروة والمال، والزعم بأنها وراء كل جريمة على طريقة “فتش عن المرأة”!!

على أية حال فإن تنمية المرأة وتحقيق نهضتها مسؤولية المجتمع ككل، مسؤولية المرأة ومسؤولية الرجل أيضًا، وفي تقديري أنه تبقى عبارة المفكر والمصلح الاجتماعي الكبير قاسم أمين (1863-1908م): “المرأة إنسان مثل الرجل”، عبارة خالدة قوية ومعبرة عن قضايا المرأة وهمومها، وكان “قاسم” قد ذكرها في كتابيه الرائدين في هذا المجال، الكتاب الأول “تحرير المرأة” الذي صدر بالقاهرة في عام 1899م، وقد هاجمه كثيرون فور صدوره، لما تميز به من جرأة واضحة في تقديم أفكار اتجهت نحو تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، لكن “قاسم” لم ييأس أمام هذا الهجوم وأمام هذا النقد، حيث أتبعه بكتابه “المرأة الجديدة” الذي صدر أيضًا في القاهرة عام 1900م، وقد صدرت عدة طبعات من كتابيه، شهادة حية على احترام المرأة وتقدير مكانتها والإيمان بحريتها.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *