د. محمد شومان يكتب: تخصيص المحتوى للجمهور.. الفرص والمخاطر

ضرورة عدم تسليم بيانات الجمهور لسلطة الخوارزميات من دون تشريعات ورقابة حكومية، علاوة على إدخال عناصر بشرية لمراقبة عملها منحها الحس الإنسانى.
يعتبر تخصيص مادة إعلامية معينة لجمهور محدد، من أهم مميزات الإعلام الرقمى، فمن خلال تتبع وتوقع سلوك المستخدمين، يمكن تقديم مجموعة مختارة من خيارات الترفيه والمعلومات والإقناع بطرق مخصصة للغاية للأفراد، مما يؤثر على كيفية استخدامهم للإنترنت، مثل إرسال لقطات من مباراة كرة لنادٍ معين لأفراد من الجمهور اكتشفت الخورازميات – المدعومة بالذكاء الاصطناعى – أنهم يشجعون هذا الفريق بحماس شديد.
وتعود فكرة المضامين المخصصة إلى عام 1995 عندما تمكنت الخوارزميات من الكشف عن اهتماماتهم وتفضيلاتهم وقيم الأفراد ومكان إقامتهم وسماتهم الشخصية. ولكن ما هى الخوارزميات التى تعود تسميتها للعالم المسلم أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمى؟ هى باختصار إجراءات أو صيغ متدرجة لحل المشكلات، وتُستخدم فى الرياضيات وعلوم الكمبيوتر والعديد من المجالات الأخرى لأداء المهام وحل مشكلات محددة بشكل منهجى، وهى أنواع كثيرة، ولكل نوع سمات خاصة ووظائف يقوم بها فهناك خوارزميات البحث، وخورازميات الفرز وغيرها، وتستخدم الخوارزميات على نطاق واسع فى الرياضيات وبرامج الكمبيوتر ومعالجة البيانات والذكاء الاصطناعى، وفى أنظمة الملاحة ومحركات البحث عبر الإنترنت وغيرها. وحاليا يوفر التخصيص المدعوم بالذكاء الاصطناعى إمكانات هائلة لعمليات جمع البيانات وتخصيص المحتوى..
ويعتمد التخصيص على ملفات تعريف رقمية تجمعها الخوارزميات من إشارات المستخدم غير المباشرة، مثل النقرات ومعلومات المستخدم الخاصة وسجل المعاملات، وتستخدم هذه البيانات كمدخلات للخوارزميات التى تنظم وتحلل كل هذه البيانات وتقدم توصيات بشأن تفضيلات كل مواطن على شبكة الإنترنت أو عندما يستخدم وسائل التواصل الاجتماعى.
وجرى تطوير هذه العمليات لأول مرة ونشرها بنجاح فى مجالات تجارية مختلفة، مثل أمازون للتجارة الإليكترونية، وجوجل فى قطاعى البحث والإعلان الرقمى إلخ. وقد أثبتت نجاح هذه الخدمات فى تزويد الأشخاص على مدار الساعة بالمحتوى الذى يفضلونه، مما دفع بتطبيقها أيضًا فى مجال نشر الأخبار..
إن التخصيص الخوارزمى المدعوم بالذكاء الاصطناعى أصبح حاضرًا فى كل مرة يستخدم فيها المستخدمون الإنترنت تقريبًا، للحصول على المعلومات والترفيه والإقناع.
من هنا يعتبره البعض جزءًا مما يسمى رأسمالية المراقبة، وهى ببساطة تحويل الخبرة البشرية عبر المنصات الرقمية إلى بيانات يمكن استخدامها للتنبؤ بالسلوك، ومع ذلك فإن التخصيص ليس شرًا مطلقًا فهناك مزايا عديدة لتخصيص المحتوى سواء كان إخباريًا أو للترفيه أو للتسوق والإعلان، حيث يختصر الوقت والجهد، فمن يبحث عن شراء منزل سترسل له وسائل التواصل الاجتماعى إعلانات ومعلومات عن الأسعار وعن المعروض ومزاياه وعيوبه، ومن يريد إخبار عن موضوع معين سترسل له المواقع الإخبارية والصحف ما يريد.
وبكلمات أوضح يمكن للتخصيص أن يحسن بشكل كبير من تجربة المستخدم من خلال تقديم محتوى ذى صلة بما يرغب أو يبحث عنه ويفضله، ويمكن أن يؤدى هذا إلى زيادة الرضا والولاء للصحيفة أو الموقع الإخبارى.
لكن فى المقابل فإن جمع البيانات بيانات شخصية عن الجمهور وتفضيلاته يثير مخاوف كثيرة خاصة بانتهاك الخصوصية والحرية الشخصية وحرية الاختيار.
وفى المجال الصحفى والإعلامى أثار وصول تقنيات التخصيص إلى صناعة الأخبار تساؤلات جدية حول ما إذا كان من الممكن تطبيق منطق التخصيص التجارى لعمل الخوارزميات فى غرفة الأخبار، وتأثير ذلك عمليات إنتاج الأخبار وتقديمها، وهل ستعمل الصحف ومحطات التليفزيون بحسب المقولة الشهيرة «الجمهور عايز كده» والحرص على تحقيق «التريند» بغض النظر عن القيمة الإخبارية، وهنا أثيرت إشكالية من يتخذ القرار التحريرى فى الصحف ومحطات التليفزيون، رئيس التحرير أم الخوارزميات؟. أما الإشكالية الأهم فهى حدود حرية الخوارزميات فى تخصيص المحتوى، حيث ثبت فى كثير من الحالات عبر العالم أن مبرمجى الخوارزميات لديهم تحيزات إيديولوجية أو اثنية أو دينية أو ثقافية.. فى ضوء ما سبق يطرح الباحثون أفكارا مهمة حول أخلاقيات تخصيص المحتوى الرقمى عبر المنصات الرقمية بحيث يلتزم المبرمجون للخوارزميات بضرورات احترام الخصوصية والحفاظ على التنوع والدقة وبالشفافية، بمعنى الإعلان عن أساليب عمل الخوارزميات ومدى التزامها بالحياد والموثوقية، إضافة إلى الالتزام بالحقائق حتى لو لم تتوافق مع تفضيلات الجمهور، وإتاحة أكثر من بديل ووجهة نظر ضمن المحتوى الذى يتم تخصيصه وتوزيعه للجمهور.