د. نسرين عبدالعزيز تكتب.. مفترق طرق دراما اجتماعية تحاكي قانون الحياة

بدأ الاهتمام في الفترة الأخيرة بالدراما القانونية التي تهتم بطرح مجموعة من القضايا المتنوعة وتنمي بها الملكة القانونية لدى الجمهور، أو طرح بعض المعلومات عن بعض القوانين وتثقيف الجمهور بها، فعلى سبيل المثال مسلسل “فاتن أمل حربي” والتوعية بقوانين الأحوال الشخصية ، وكذلك مسلسل “تحت الوصاية” وتوعية الجمهور بقانون الوصاية المالية والتعليمية، وبعض الأمور القانونية التي تهم الأرامل ، ومسلسل “سوتس بالعربي”، وهو مقتبس من عمل أجنبي ويقدم في حلقاته رؤى لقضايا مختلفة الأنواع والجوانب المدني والجنائي وغيرها، ويأتي مسلسل “مفترق الطرق” المقتبس من المسلسل الأجنبي good wife The وهو دراما اجتماعية قانونية لها طابع مختلف، ففي كل قضية قصة اجتماعية لها بطل وبطلة ومشكلة ولغز يسعى المؤلف لحلها، ونتعرف من خلالها على مواقف حياتية كثيرة يمر بها الإنسان، وتجتمع هذه القضايا لتخرج من مكتب محاماة كبير، هذا المكتب يرتبط بأبطال القصة الرئيسية للمسلسل فالبطلة أميرة “هند صبري”، وزوجها عمر “ماجد المصري” ، والمدير والعاشق لها “إياد نصار” ودارين “جومانا مراد” التي تحبه من طرف واحد، فهذه الشخصيات الأربعة تدور في فلكهم القصة الرئيسية التي تسيطر عليها علاقات الحب والتملك والأنانية والخوف من فقدان الحبيب، وفي كل حلقة نجد أحداثا جديدة مشوقة لما يليها ، ونجد توازيا بين خطين دراميين أساسيين، خط مرتبط بالقضايا، وما تحتويه من استدعاء من يتولى الدفاع عن المجني عليه والمتهم، ومدى توافر أدلة الدفاع من عدمه، والإثبات والمرافعة داخل قاعات المحكمة وإبراز هذه القاعات داخل المشاهد، وتقديم بعض المعلومات القانونية للجمهور، وشق آخر اجتماعي مرتبط بقضايا اجتماعية مواكبة للفترة التي نعيشها.
فاستطاع مسلسل مفترق طرق أن يجذب شريحة كبيرة من الجمهور ، وأصبح حديث مواقع التواصل الاجتماعي ، وخلق حالة مختلفة بين التأييد والمعارضة، خاصة بعد التحول في بناء شخصية أبطال العمل ، فقد كانت الشخصيات نامية متطورة في أبعادها النفسية والاجتماعية بل والجسدية أيضا، مع تصاعد الأحداث والصراع، ولم تظل على وتيرة واحد راكدة، وهذا توفر في معظم شخصيات المسلسل، وفي مقدمتهم “أميرة” المرأة الجميلة التي تحب زوجها وتهتم بأولادها وبيتها، وضحت بحياتها المهنية لتتفرغ لأسرتها ، وتتفاجأ بخيانة زوجها ، والتورط في عدة قضايا، فتقع في صدمة، ويصبح لديها تحدٍ كيف ترعى أولادها ماديا ومعنويا، وهي بلا عمل وكيف تكون صامدة قوية حتى لا ينهار أولادها ، وكيف تقبل وضع الخيانة، وتتعامل مع زوجها المسجون، صراعات كثيرة تمر بها نفسية ومجتمعية، فتفتش في الماضي فتجد “يحي” زميلها وتلجأ له لكي تحصل على عمل في مكتبه ، وتظهر شخصية جديدة لها عالمها وذكرياتها، ونكتشف معه أن حب عمره هو أميرة فظل يعشقها 15 عاما دون أن تعلم حتى بعد زواجها، وكأن عودتها للعمل معه باب جديد لكي يحقق حلمه ، فهو رجل ناجح ومحامي معروف، وتتمناه أي امرأة، شريكته في مكتب المحاماة دارين امرأة جميلة وقوية الشخصية، ، تحب يحي من طرف واحد أيضا، ويأتي عمر زوج أميرة المحافظ السابق والمتورط في عدة قضايا، والذي يحاول دوما إيجاد مبرر لأخطائه معبرا عن ندمه، ويحاول أن يعيد أميرة إليه، ويبتزها عاطفيا مستغلا حبها لأولادها وخوفها على فقدانهم.
وتتصاعد الأحداث فيدخل أولاد أميرة في صراعات مجتمعية داخل المدرسة التي انتقلوا إليها، وخلال ذلك تظهر قضايا مختلفة يناقشها المسلسل، وفي مقدمتها الابتزاز الإلكتروني، وتأثير أصدقاء السوء على الأولاد وأهمية دور الأسرة في متابعة أبنائهم وعلاقاتهم، والأهم من ذلك التغييرات النفسية التي يتعرض لها الأولاد في فترة المراهقة، ناهيك عن قضية أساسية وهي التحديات التي تواجهها المرأة المعيلة التي يسجن زوجها وتصبح بلا عائل وتواجه تحديات عدة.
وخلال العمل نجد الصراع من أجل الحب والحفاظ عليه ولكل شخصية طريقتها في ذلك، فلقد استطاعت هند صبري أداء الدور باحترافية كبيرة ، متمكنة من أدواتها ودارسة لأبعاد الشخصية بشكل دقيق، واستطاع إياد نصار أن يتقمص دور يحي بشكل احترافي وواقعي فلا تشعر معه بانفصال عن الواقع، وأظهر الدور جوانب جديدة في موهبته التمثيلية، ناهيك عن ماجد المصري والتمثيل الهادئ الفلسفي في دور عمر، والذي حير الجمهور في أن يتعاطف معه أو أن يكرهه، بالإضافة إلى الأداء المتميز لجومانا مراد، وهدى المفتي والكتابة والإخراج الممتع، وسيظل التساؤل هل حب أميرة ليحي ورغبتها كأنثى سينتصر على حبها لأولاها ورغبتها في الحفاظ عليهم، وهل يحي يحب بالفعل أميرة أم كانت هي عناده فقط، وهل عمر ودارين سينتصران ويحصلان على حبهما بالألاعيب والطرق الملتوية التي يستخدمونها هذا ما سوف نشاهده في الحلقات القادمة.