“جوجل ترند”.. أداةٌ ترصد اهتمامات العالم في عصر الذكاء الاصطناعي

مُميزاتٌ مُبهرةٌ وعيوبٌ مُدمرةٌ.. “الحذر” أبرز تحذيرات التعامل مع “جوجل ترند”
كتب:عبد الرحمن إبراهيم
جوجل ترند”Google Trends” ، هو أداةٌ تحليليةٌ مُبتكرة،ٌ تم تطويرها من قبل شركة جوجل، تهدف إلى تمكين المُستخدمين من تتبع وفهم أنماط البحث على الإنترنت، أُطلق في عام 2006م، ومنذ ذلك الحين أصبح عنصرًا أساسيًا في صندوق أدوات “الصحفيين، المُسوقين، الباحثين، ورجال الأعمال”، كما أنه باستخدام هذه الأداة، يُمكن للمُستخدمين الحصول على نظرةٍ عامةٍ عن ما يهتم به الناس في وقتٍ مُحددٍ وأماكنٍ مُعينةٍ، مما يُساعد في توجيه القرارات الإعلامية والتجارية.
ما هو جوجل ترند؟
جوجل ترند، هو خدمة عبر الإنترنت، تُتيح للمُستخدمين معرفة مدى تكرار البحث عن مصطلحٍ أو موضوعٍ مُعين على محرك البحث جوجل، وتجمع هذه الخدمة البيانات من عمليات البحث التي يُجريها المُستخدمون حول العالم، وتقدمها في شكل رسومٍ بيانية، تُوضح الاتجاهات عبر الزمن، وتكشف عن الاهتمامات الإقليمية، كما يوفر إمكانية مُقارنة الاهتمام بين مُصطلحاتٍ مُتعددةٍ، ومعرفة تطورها النسبي.
كيفية استخدام جوجل ترند؟
لاستخدام جوجل ترند، يقوم المُستخدم بإدخال كلمة أو عبارة في شريط البحث، ويختار الفترة الزمنية، والمنطقة الجغرافية المطلوبة، ويُمكن أيضًا مُقارنة مُصطلحاتًا مُتعددةً لمعرفة أيٍ منها يحظى بأكبر اهتمامٍ، بالإضافة إلى ذلك؛ يُمكن تحليل الاهتمامات الإقليمية؛ لمعرفة المناطق التي يظهر فيها أعلى اهتمامًا بموضوعٍ مُعينٍ.
علاقة جوجل ترند بالذكاء الاصطناعي
يعتمد جوجل ترند بشكلٍ كبيرٍ على تقنيات الذكاء الاصطناعي في مُعالجة وتحليل البيانات الضخمة المُتعلقة بعمليات البحث التي يُجريها المُستخدمون على محرك بحث جوجل؛ حيث يقوم بجمع بيانات البحث من ملايين المُستخدمين حول العالم، وهذه البيانات ضخمةٌ ومُعقدةٌ، وتتطلب استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليلها بفعاليةٍ، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي تقوم بتصفية البيانات، وتصنيفها بطريقةٍ تُتيح تقديم النتائج بشكلٍ مفهومٍ ودقيقٍ.
كما أن الذكاء الاصطناعي يتمتع بقدرةٍ فائقةٍ للتعرف على الأنماط في البيانات؛ حيث تُستخدم هذه القدرة لاكتشاف الأنماط الخفية في سلوك البحث؛ مثل: العلاقة بين مصطلحات بحث معينة، أو الاتجاهات الموسمية التي قد لا تكون واضحةً بسهولة، بالإضافة إلى أنه يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم نتائجٍ مُخصصة تتناسب مع اهتمامات المُستخدمين، والمناطق الجغرافية المُختلفة، ويمكن للنظام تعديل النتائج بناءً على السياق؛ مثل: تقديم نتائج مُختلفة للمُستخدمين في مناطقٍ جغرافيةٍ مُختلفةٍ، أو بناءً على اهتماماتهم السابقة.
ومن جهةٍ أخرى، يستخدم جوجل ترند تقنيات مُعالجة اللغة الطبيعية (NLP)؛ لتحسين دقة البحث اللغوي، كما يُساعد الذكاء الاصطناعي في فهم السياق اللغوي، والتمييز بين المعانٍ المُختلفة للكلمات، مما يجعل نتائج البحث أكثر دقة وملاءمة، كما يُمكن التعرف على الأنماط غير الطبيعية في البحث؛ على سبيل المثال: إذا كانت هناك زيادة مُفاجئة وغير مُفسرة في البحث عن موضوعٍ مُعين، يُمكن للنظام أن يُحدد هذا كاتجاه غير طبيعيٍ، قد يتطلب تفسيرًا إضافيًا؛ مثال: “انتشار جدري القرود في قارة إفريقيا جعلها رقم واحد على محرك البحث بسبب زيادة الإقبال على معرفة أخبار هذا الإنتشار”.
كيف يعمل جوجل ترند؟
1- جمع البيانات:
يعتمد جوجل ترند على بيانات البحث مجهولة المصدر التي يجمعها جوجل من مليارات عمليات البحث اليومية، هذه البيانات تُمثل عينةً تمثيليةً من جميع عمليات البحث التي يُجريها الُمستخدمون في جميع أنحاء العالم.
2- تحليل البيانات:
يستخدم جوجل تقنيات الذكاء الاصطناعي وخوارزميات تحليل البيانات؛ لتحليل، وتصفية، وتصنيف البيانات، وتتضمن هذه العمليات تحسين البياناتح لإزالة الضوضاء، وتصحيح الأخطاء، وتحديد الاتجاهات الفعلية.
3- عرض البيانات:
يتم عرض البيانات في جوجل ترند في شكل رسوم بيانية ومُخططاتٍ، تُظهر الاتجاهات الزمنية والجغرافية، ويُمكن للمُستخدمين استكشاف البيانات بُناءً على فئاتٍ مُعينةٍ؛ مثل: الفئات الصناعية، أو الجغرافية، أو الزمنية.
التطبيقات العملية لجوجل ترند
- في الصحافة:
أصبح “جوجل ترند” أداةً لا غنى عنها في مجال الصحافة الحديثة، في عالم يتغير بسرعةٍ وتنتشر فيه الأخبار بشكلٍ فوري؛ حيث يُساعد الصحفيين على تتبع نبض الجمهور، وتقديم تغطية دقيقة للأحداث الهامة، من خلال اكتشاف القصص الساخنة، ومُراقبة الأحداث الجارية؛ حيث يُمكن للصحفيين استخدام جوجل ترند لرصد المواضيع التي تشهد ارتفاعًا كبيرًا في البحث؛ على سبيل المثال: إذا لاحظ الصحفي ارتفاعًا كبيرًا في عمليات البحث عن موضوعٍ مُعينٍ، يُمكن أن يكون هذا مؤشرًا على أن هذا الموضوع أصبح ذا أهمية كبيرة لدى الجمهور، مما قد يستدعي تغطيته بشكلٍ عاجلٍ، وأيضًا الكشف عن القصص التي لم تُروى، فأحيانًا قد تُشير الاتجاهات الناشئة إلى قصصٍ غير مُغطاة بشكلٍ كافٍ من قِبل وسائل الإعلام الرئيسة.
كما تستخدم في تحليل التفاعل مع الأخبار، من خلال قياس استجابة الجمهور؛ حيث تسمح أداة “جوجل ترند” للصحفيين بتحليل كيفية تفاعل الجمهور مع خبرٍ مُعينٍ بمرور الوقت؛ على سبيل المثال: إذا نُشرت قصة إخبارية حول قضية ما، يُمكن للصحفيين مُراقبة كيف يتفاعل الجمهور مع هذه القصة عبر زيادة أو انخفاض عمليات البحث المُتعلقة بها، وتحديد القضايا الأكثر إثارةً من خلال تحليل البيانات الجغرافية، كما يُمكن معرفة المناطق التي تهتم بالقضية المنشورة، مما يتيح لهم تقديم تغطية محلية مُخصصة، أو استهداف جماهيرًا مُحددةً.
وتستخدم أيضًا في تحسين استراتيجيات نشر المحتوى، من خلال تخطيط توقيت النشر؛ حيث يمكن للصحفيين استخدام “جوجل ترند” لتحديد الأوقات التي يكون فيها الاهتمام بموضوعٍ مُعينٍ في ذروته، وتخصيص مقالاتهم لتتوافق مع اهتمامات الجمهور الحالية؛ على سبيل المثال: إذا كان هناك زيادةٍ في البحث عن معلوماتٍ مُحددةٍ عن حدثٍ عالميٍ، يُمكن للصحفيين كتابة مقالاتًا تُركز على تلك النقاط المُحددة التي يهتم بها الجمهور.
وأخيرًا، تستخدم أدة “جوجل ترند” في البحث والتقصي الصحفي، من خلال مصدر البيانات الصحفية؛ على سبيل المثال: إذا كان الصحفي يُجري تحقيقًا حول تأثير حدثٌ ما، يُمكن استخدام بيانات جوجل ترند لتوضيح كيف تأثر الاهتمام العام بهذا الحدث على مدار الزمن، وتحديد الأنماط؛ حيث تعمل على مُساعدة الصحفيين في اكتشاف الأنماط طويلة الأجل في عمليات البحث، مما يُمكن أن يُساعد في فهم الاتجاهات الاجتماعية والثقافية التي قد لا تكون واضحةً على الفور.
2- في التسويق:
– التعرف على توجهات السوق: يُمكن للمُسوقين استخدام جوجل ترند لمعرفة الفترات الزمنية التي يرتفع فيها الاهتمام بمنتجاتٍ أو خدماتٍ مُعينةٍ، مما يُساعدهم في تحديد الأوقات المُثلى لإطلاق الحملات الإعلانية.
– تحليل المُنافسين: يُتيح جوجل ترند للمُسوقين مُقارنة شعبية للعلامات التجارية المُختلفة، ومعرفة أيها يحظى بأكبر اهتمامٍ من المُستهلكين.
– تحديد الجمهور المُستهدف: من خلال تحليل الاهتمامات الإقليمية؛ حيث يُمكن للمُسوقين تحديد الأماكن التي يجب أن يركزوا عليها في حملاتهم التسويقية.
3- في الأعمال التجارية:
– تحليل الطلب الموسمي: يمكن للشركات تحليل البيانات السابقة؛ لمعرفة الفترات الزمنية التي يرتفع فيها الطلب على مُنتجاتٍ مُعينة؛ على سبيل المثال: قد يكشف جوجل ترند أن الاهتمام بالمنتجات الرياضية يرتفع في بداية السنة، مع التزام الناس بقرارات السنة الجديدة.
– تحديد اتجاهات المُنتجات: يمكن للشركات تحديد المُنتجات الجديدة التي تشهد ارتفاعًا في شعبيتها، مما يُساعد في تطوير مُنتجاتٍ تُلبي احتياجات السوق.
ممُيزات جوجل ترند
إلى جانب الوظائف الأساسية لتحليل الاتجاهات، توفر أداة “جوجل ترند” مجموعةً من المميزات المُتقدمة، التي تجعل من السهل للمُستخدمين استخراج رؤى مفيد؛ والتي تتمثل في:
الاهتمامات الإقليمية: التي تُتيح للمُستخدمين معرفة المناطق التي يظهر فيها أعلى اهتمام بموضوعٍ مُعينٍ، ويمكن للصحفيين استخدام هذه البيانات لفهم كيفية تفاعل مُختلف المناطق مع الأخبار، بينما يُمكن للمُسوقين استهداف حملاتهم بشكلٍ أكثر دقةً.
المواضيع ذات الصلة: حيث يقدم قائمة بالمواضيع ذات الصلة التي تم البحث عنها بجانب المصطلح الأصلي، هذه الميزة تُساعد في فهم السياق الذي يتم فيه البحث عن موضوعٍ مُعينٍ.
تنبؤات الاتجاهات: في بعض الحالات، يمكن لجوجل ترند تقديم التنبؤات حول اتجاهات المُستقبل بناءً على البيانات التاريخية.
سلبيات جوجل ترند
يقدم “جوجل ترند” بيانات نسبيةً، تُعكس نسبة الاهتمام بموضوعٍ مُعينٍ، مُقارنةً بجميع عمليات البحث الأخرى في نفس الفترة الزمنية، وليس أرقامًا مُطلقةً لعدد عمليات البحث، وهذا يُمكن أن يُسبب سوء تفسير للبيانات؛ حيث قد يبدو أن هناك اهتمامًا كبيرًا بموضوعٍ مُعينٍ، لكنه في الواقع يُمثل فقط نسبة صغيرة من إجمالي عمليات البحث، وأحيانا إذا كان الموضوع الذي تبحث عنه لا يجذب عددًا كبيرًا من عمليات البحث، قد لا تكون البيانات مُتاحة، أو قد تكون غير دقيقة؛ كونه يعتمد على العينات الكبيرة من البيانات، مما يعني أن المواضيع ذات البحث المنخفض قد لا تظهر بشكلٍ كافٍ.
وعلى الرغم من أن جوجل ترند يتيح للمُستخدمين تحليل الاتجاهات في مناطقٍ جغرافيةٍ مُحددةٍ؛ إلا أن هذه البيانات قد لا تكون مُتاحةً لجميع البلدان أو المناطق؛ خاصةً في المناطق ذات الاستخدام المحدود للإنترنت، أو ذات الكثافة السكانية المُنخفضة، وفي بعض الأحيان قد يكون هناك تأخيرًا في تحديث البيانات، مما يعني أن الاتجاهات الحالية قد لا تكون معكوسة بدقةٍ في الوقت الحقيقي، وهذا قد يؤثر على قدرة الصحفيين والمُسوقين على الاستجابة الفورية للاتجاهات المُتغيرة.
ونظرًا لأن جوجل ترند يعكس الاهتمامات القائمة على عمليات البحث، يُمكن أن يكون عُرضةً للتلاعب؛ على سبيل المثال: حملات مُنظمة لزيادة البحث عن موضوعٍ مُعينٍ قد تؤدي إلى ارتفاع غير طبيعي في شعبيته، مما يشوه البيانات، ويعطي صورة غير دقيقة عن الاهتمامات الحقيقية.
كما يقدم “جوجل ترند” بيانات دون تفسير، مما يتطلب من المُستخدمين إجراء المزيد من التحليل لفهم الأسباب، والبيانات يُمكن أن تكون مُضللةً إذا لم يتم فهمها في سياقها الصحيح، وأيضًا عند تحليل البيانات على مدى فترات زمنية قصيرة جدًا؛ مثل: “الساعات أو الأيام القليلة”، قد لا تكون البيانات موثوقة، بسبب التغيرات السريعة، والتقلبات اليومية.
أمثلة استخدام جوجل ترند
– الأحداث الرياضية الكبرى، “كأس العالم أو الألعاب الأولمبية”: يُمكن للصحفيين تحليل بيانات جوجل ترند لمعرفة أي الفرق أو اللاعبين يُثير الاهتمام الأكبر على الساحة الإعلامية.
– الأحداث السياسية، “الانتخابات”: يمكن للمُحللين السياسيين، مُتابعة تطور الاهتمام بمرشحين مُعينين في مناطقٍ مُختلفة، مما يُساعدهم في فهم التوجهات السياسية المحلية؛ مثال: “انتخابات الولايات المُتحدة الحالية.”
– مواسم التسوق: يُمكن للشركات استخدام جوجل ترند لتحديد توقيت الحملات الإعلانية خلال مواسم التسوق الكبرى؛ مثل: الجمعة السوداء أو موسم العطلات.
التحديات والمُلاحظات
– الخصوصية: على الرغم من أن بيانات جوجل ترند مجهولة المصدر؛ إلا أن هناك مُخاوفٍ حول كيفية استخدام هذه البيانات في سياقاتٍ مُختلفةٍ، ويثير البعض المُخاوف بشأن إمكانية استغلال هذه البيانات في استهداف الأفراد أو المُجتمعات بطرقٍ غير أخلاقية.
– دقة البيانات: جوجل ترند يقدم بياناتًا نسبيةً، وليست أرقامًا مُطلقةً، مما يعني أن النتائج تعتمد على نسبة البحث، مُقارنةً بإجمالي عمليات البحث؛ لذا ينبغي التعامل بحذرٍ عند إجراء التحليلات بُناءً على هذه البيانات.
– التوجهات المؤقتة: ليس كل ارتفاعٍ في شعبية مُصطلحٍ مُعينٍ يُعبر عن اهتمامٍ طويل الأمد؛ قد تكون التوجهات مؤقتةً بسبب أحداث معينة أو حملات إعلانية، وهذا يعني أن المُستخدمين يجب أن يكونوا حذرين عند تفسير البيانات؛ للتأكد من أنهم يفهمون السياق بشكلٍ صحيحٍ.
وأخيرًا، تعرف “جوجل ترند” بأنها أداةً قويةً تُقدم للمُستخدمين نظرة عميقة على اتجاهات البحث عبر الإنترنت، سواءٌ كنت صحفيًا يسعى لفهم الأحداث الجارية، أو مُسوقًا يُحاول تحسين استراتيجيته التسويقية، أو رائد أعمالًا يرغب في توقع اتجاهات السوق، فيمكن لجوجل ترند تقديم رؤى تُساعدك في اتخاذ قراراتٍ مُستنيرةٍ؛ ومع ذلك، من المهم استخدام هذه الأداة بحذرٍ، وفهم حدودها، خاصة فيما يتعلق بالخصوصية ودقة البيانات.