ذكاء اصطناعي أم خداع بصري؟ القصة الكاملة وراء تطبيق «سورا»

كتب:عبدالرحمن ابراهيم
طرحت شركة «أوبن إيه آي» (OpenAI)، مبتكرة روبوت الدردشة الشهير «تشات جي بي تي»، هذا الشهر تطبيقًا جديدًا أحدث ضجة واسعة في الأوساط التقنية والإعلامية، يحمل اسم «سورا» (Sora)، وهو نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتوليد مقاطع فيديو واقعية بالكامل من خلال كتابة وصف نصي بسيط فقط.
يكفي أن يكتب المستخدم جملة مثل: «لقطة من كاميرا الشرطة المثبتة لكلب يُعتقل بعد سرقة شريحة لحم»، ليحوّلها التطبيق إلى مشهد مصور يبدو حقيقيًا لدرجة يصعب تمييزه عن الواقع.
ورغم أن «سورا» متاح مجانًا لمستخدمي أجهزة «آيفون» ويُستخدم على نطاق واسع لأغراض ترفيهية، فإن انتشاره السريع أثار مخاوف عميقة بشأن التزييف البصري والمعلومات المضللة.فمنذ إطلاقه، امتلأت المنصات الاجتماعية بمقاطع طريفة، مثل حيوان راكون على متن طائرة أو مشاجرات بين نجوم هوليوود بأسلوب الأنمي.لكن في المقابل، استخدمه آخرون في صناعة فيديوهات خادعة تُظهر جرائم أو أحداثًا لم تقع أصلًا، ما أعاد الجدل حول مفهوم “الحقيقة المرئية”.
ويرى خبراء أن «سورا» ومعه أدوات أخرى مشابهة من «ميتا» و«غوغل» تمثل نقطة تحول في علاقة الإنسان بالصورة والفيديو، إذ لم يعد بالإمكان الوثوق بأي مقطع يُعرض على الإنترنت دون تحقق.
وداعًا لـ”الدليل البصري”
على مدى عقود، كان الفيديو يُعتبر الدليل الأصدق لإثبات الواقع، بعد أن أصبح التلاعب بالصور أمرًا شائعًا.لكن يبدو أن هذا المفهوم بدأ ينهار، مع قدرة «سورا» على إنتاج مقاطع تكاد تخدع حتى المتخصصين.وفي هذا السياق، قال البروفيسور رين نغ، أستاذ علوم الحاسوب بجامعة كاليفورنيا في بيركلي:”أدمغتنا مبرمجة لتصدق ما تراه، لكننا الآن بحاجة إلى إعادة التفكير في كل ما نشاهده، لأن الفيديو لم يعد ضمانًا للحقيقة”.
صعود سريع وقلق في هوليوود
احتل تطبيق «سورا» المرتبة الأولى في قائمة التطبيقات المجانية الأكثر تحميلًا على متجر «آب ستور» هذا الأسبوع، لكنه في الوقت نفسه أثار قلقًا واسعًا في صناعة السينما الأمريكية.فقد عبّرت استوديوهات هوليوود عن خشيتها من أن تكون بعض المقاطع التي أُنتجت عبر «سورا» قد انتهكت حقوق الملكية الفكرية لأفلام وشخصيات معروفة.وردًّا على ذلك، قال سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ«أوبن إيه آي»، إن الشركة تعمل على تطوير آلية تتيح لأصحاب الحقوق التحكم في استخدام شخصياتهم والاستفادة ماديًا من هذه التقنية مستقبلًا.
كيف يعمل التطبيق؟
يُشبه «سورا» في تصميمه تطبيقات الفيديو القصيرة مثل «تيك توك» و«ريلز»، ويتيح إنشاء مقاطع فيديو من خلال كتابة وصف نصي، أو عبر تحميل صورة حقيقية وتحويلها إلى مشهد متحرك خلال أقل من دقيقة.التطبيق لا يزال متاحًا فقط عبر رموز دعوة محدودة، تُتداول بين المستخدمين على منصات مثل «ريديت» و«ديسكورد».ويتميز «سورا» بجودة إنتاج مذهلة تتفوق على منافسيه مثل «Veo 3» من غوغل و«Vibe» من ميتا، إذ تبدو مشاهده أكثر واقعية وتفصيلاً.
زيف متقن وتحذيرات جدية
من بين التجارب التي أجريت على التطبيق، تمكّن المستخدمون من إنشاء مقاطع فيديو قد تُستخدم في الاحتيال أو التضليل، منها مشاهد وهمية لحوادث سيارات، أو تقارير إخبارية مزيفة، أو تصريحات منسوبة لأشخاص لم يدلوا بها أصلًا.ويقول لوكاس هانسن، مؤسس منظمة «Safe AI»: “لن يكون أحد مستعدًا لتصديق أي فيديو بعد الآن، لأن حدود الزيف أصبحت غير مرئية”.ورغم أن «أوبن إيه آي» وضعت قيودًا تمنع إنشاء محتوى جنسي أو سياسي أو طبي مضلل، فإن بعض المستخدمين تمكنوا من تجاوز هذه القيود بسهولة، ما دفع الشركة إلى دمج علامات مائية رقمية داخل الفيديوهات لتتبع مصدرها.
كيف يمكن كشف الفيديو المزيف؟
رغم العلامة المائية التي يضعها التطبيق، اكتشف المستخدمون إمكانية حذفها، ما يجعل مهمة التحقق أكثر صعوبة.ويشير خبراء إلى أن الفيديوهات المنتَجة بالذكاء الاصطناعي يمكن تمييزها أحيانًا من أخطاء صغيرة في التفاصيل أو تزامن الصوت والحركة، لكن هذه الفروق تتلاشى مع تطور التقنية السريع.ويحذر البروفيسور هاني فريد، خبير التحقق الرقمي بجامعة كاليفورنيا، قائلاً:”كل نصيحة لكشف التزييف تصبح قديمة خلال أسابيع… الحل الوحيد هو توعية الناس والتعامل بحذر مع كل ما يُعرض على الإنترنت”.
ما بين الخطر والإبداع
يُجمع الخبراء على أن «سورا» يمثل قفزة تقنية مذهلة، لكنه في الوقت نفسه يفتح بابًا واسعًا أمام الفوضى الرقمية، حيث يصبح من الصعب التمييز بين ما هو واقعي وما هو مُختلق.وبينما يحتفي البعض بالإبداع الذي يتيحه التطبيق، يرى آخرون أنه بداية لعصر جديد من الزيف المقنع، سيجبر العالم على إعادة التفكير في معنى الحقيقة ذاتها.