الصحافة التنبؤية في عصر الذكاء الإصطناعي

د.محمد شومان
لم تستخدم المؤسسات الإعلامية العربية التقنيات الحاسوبية وتطبيقات الذكاء الاصطناعى فى تحليل البيانات الضخمة واستخلاص نتائج وتوقعات مستقبلية
يهتم الناس فى كل الثقافات وعبر التاريخ بالمستقبل، فظهر العرافون والمشعوذون، وحاولت الصحافة سد هذا الشغف الإنسانى من خلال توقعات الطقس ونتائج الانتخابات والمسابقات الرياضية، والتنبؤ بمسار الأحداث المختلفة، ومع ثورة الكمبيوتر والبيانات الضخمة ظهر ما يعرف بالصحافة التنبؤية Predictive Journalism، والتى تطورت بقوة مع الذكاء الاصطناعي، واستخدام الصحفيين لتطبيقات قادرة على تحليل بيانات ضخمة فى كل المجالات، واستخراج نتائج وتوقعات أو سيناريوهات مستقبلية لأداء الاقتصاد والبورصات وغيرها.
الصحافة التنبؤية باختصارهى نوع ناشئ ضمن صحافة البيانات التى تدمج المعلومات التنبؤية، مثل التقديرات أو التوقعات أو التنبؤات الآنية فى عمليات إنتاج الأخبار، (مثل التقارير والتحقيقات الصحفية أو التليفزيونية)، باستخدام أو الاعتماد على تقنيات حاسوبية تعتمد على البيانات، مثل التحليلات التنبؤية أو المحاكاة الحاسوبية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وتهدف الصحافة التنبؤية إلى مساعدة الجمهور على التفكير، فى ظل عدم اليقين بشأن الأحداث والنتائج المستقبلية المحتملة. على سبيل المثال، فى عام 2008، بدأت FiveThirtyEight، فى ترويج هذا النوع من الصحافة فى التنبؤات الانتخابية، للإجابة على سؤال من يقود الانتخابات، ومن المرجح أن يفوز. كما ركزت الصحف ومحطات التلفزة والمنصات على توقع ماذا سيحدث فى ظل جائحة كوفيد 19.
هكذا مكّنت إمكانية الوصول إلى البيانات الضخمة المقترنة بالتقدم فى القوة الحاسوبية الصحفيين مع الذكاء الاصطناعي، من تغطية القصص التى تتجاوز توقعات الانتخابات واستطلاعات الرأى السياسية، مثل توقعات الطقس، وكذلك الترفيه، وتوقعات النتائج الرياضية، وتوقع عدد حالات كوفيد-19. ومع ذلك، على الرغم من شهرة هذا النوع من الصحافة طوال فترة الوباء، إلا أنه لا يُعرف سوى القليل عن كيفية تلقى الجماهير لمثل هذه التنبؤات، المليئة بعدم اليقين، وقد تؤثر على مواقف الجمهور وعواطفه تجاه الأحداث المستقبلية.
وعلى الرغم من التشكيك فى دقة الانتقادات الصحافة التنبؤية وجدواها، إلا أنها تنتشر فى الدول المتقدمة، وهناك ممارسات يومية فى كثير من الصحف ومحطات التلفزة والمنصات، تنتج تقارير وتحقيقات ذات طابع تنبؤي، وقد أحرزت تقدماً ملموساً فى توقع حركة الأسواق والمناخ والاقتصاد. وعلى سبيل المثال فإن «وول ستريت جورنال» و»فاينانشال تايمز»، تستخدمان أدوات تحليلات تنبؤية لمساعدة الجمهور على اتخاذ قرارات استثمارية أكثر استنارة.
واستخدمت شركات إعلامية مثل BuzzFeed و The Huffington Post أدوات تحليلات البيانات لتحليل التغيرات الاجتماعية والثقافية، للتنبؤ بالتوجهات المستقبلية فى مجالات مثل الموضة، والثقافة الشعبية، أو حتى المواقف الاجتماعية، اعتماداً على البيانات السلوكية عبر الإنترنت، وتتعاون صحف مثل The New York Times و The Lancet مع مراكز الأبحاث الصحية لتحليل البيانات، والتنبؤ بالتهديدات الصحية المستقبلية. أكثر من ذلك تستخدم الصحافة التنبؤية أيضاً فى تتبع الحركات الاجتماعية أو النشاطات السياسية، خاصة الاحتجاجات الشعبية أو المظاهرات التى قد تحدث استنادًا إلى بيانات مثل المطالب الشعبية، واستطلاعات الرأي، والمؤشرات الاقتصادية. وقد حاولت بعض الصحف ومراكز الأبحاث توقع مسارات ما يعرف بالربيع العربى عام 2011.
وعرفت الصحافة العربية بعض أشكال الصحافة التنبؤية فى شكلها التقليدى أو البدائي، إذا جاز القول، حيث تعتمد على الانطباعات والتكهنات وجمع آراء عينات محدودة من الخبراء أو الجمهور، ولم تستخدم أغلب المؤسسات الإعلامية العربية التقنيات الحاسوبية وتطبيقات الذكاء الاصطناعى فى تحليل البيانات الضخمة، واستخلاص نتائج وتوقعات مستقبلية، وهى مهام مطلوبة على الرغم من عدم دقتها، خاصة فى مجالات المسابقات الرياضية والبورصات والمناخ والتغيرات المناخية والبيئية. والمفارقة أن أغلب المؤسسات الإعلامية عبر العالم تستخدم الذكاء الاصطناعى على نطاق واسع فى كل شيء، بدءًا من توقع من سيشترك فى المجلة، أو يشاهد القناة أو المنصة الرقمية، إلى تقدير العنوان أو العناوين التى ستجلب المزيد من النقرات، ومن ثم توقع سلوك الجمهور والتفاعل معه، علاوة على التحرير وكتابة النصوص.
بصراحة، نحتاج إلى ضخ استثمارات جديدة فى المؤسسات الإعلامية العربية، تمكن من تشكيل فرق عمل من الصحفيين ومهندسى الكمبيوتر والمبرمجين للعمل معاً فى تطوير الصحافة التنبؤية، وتعريب كثير من برامجها وتطبيقاتها.