البحث عن السراب
بقلم: عبد الوهاب محمد
رن الجرس.. أسرع الجميع نحو الباب، لأنهم يعلمون أن والدهم سوف يعود اليوم من المملكة العربية السعودية بعد غياب دام لمدة سنتين، وبعد فتح الباب اندفع الجميع فى أحضان والدهم حتى زوجته لم تستطع الوقوف ساكنة بل ارتمت فى أحضانه تقبله بعيون يملأها الشوق ودموع الفرحة بعودته لبيته سالمًا.
جلس الوالد وسأل متعجباًا أين أحمد؟ ألم يعرف أنني سأعود اليوم ألم يشتاق لرؤيتي؟ أه منك يا أحمد كم اشتاق لرؤيتك.. وعاد متسائلًا لزوجته أين أحمد؟ أين ذهب؟ فردت عليه زوجته قائلة: المهم أن تستريح الآن ونتكلم بعد ذلك في موضوع أحمد. فتعجب والد أحمد أستريح موضوع أحمد.. ما الأمر يا زوجتي الحبيبة؟ هل حدث له مكروه؟ فردت زوجته أرجوك يا زوجي الحبيب ادخل الحمام واغتسل وتعالى، أنا جهزت لك كل ما تحبه من أصناف الطعام، وبعد الغداء دخل محمد لينام قليلًا وبعد ما قام من نومه جلس مع زوجته وابنه حسام وابنته عبير يتبادلون أطراف الحديث عن ما عاناه في الغربة من شقاء العمل ومن الشوق إليهم، ولكن كل هذا من أجلهم ومن أجل سعادتهم تهون الصعاب، وأن صاحب العمل أعطاه إجازة لمدة شهر ونصف فقط فهو يمسك بكل حسابات الشركة، ولا يثق فى أحد غيره، وفجأة سكت محمد عن الكلام مُتسائلًا أين أحمد؟ أين أحمد؟ فلم يجبه أحد. فنظر إلى زوجته سائلًا إيه يا رانية لماذا لم تجيبي على تساؤلي؟ هل حدث لأحمد مكروه؟ إنه ابني الكبير، والمفروض أن يحل محلي في غربتي، وأن يكون أول من يستقبلني!! فأجابته زوجته لحظه يا محمد سأحكي لك كل شيء بالتفصيل.
أحمد منذ التحاقه بكلية الهندسة لاحظت عليه بعض التغيرات في سلوكه وتصرفاته، وتغيير في ملامح وجهه وعينيه. لم يعد أحمد الذي نعرفه، أصبح دائم الشجار يتلفظ بألفاظ لم نكن متعودين عليها منه، وأصبح جسمه نحيفًا غير مقبل على الطعام، يتهته في الكلام، عيناه زائغتان، لا يكاد يعرف من حوله، وتطورت حالته، فأصبح يطلب مني أموالًا كثيرة، وعندما أرفض أكتشف أنه باع أحد متعلقاته الشخصية مثل التليفون وغيره، ثم أصبح يقوم بسرقة بعض محتويات البيت!!
فقاطع محمد زوجته قائلًا بحزن شديد، وجسمه يرتجف وبنبرة صوت يملؤها الغضب، ولكن لماذا لم تخبريني بذلك؟ فأجابته زوجته خوفًا عليك يا محمد، وكنت سأخبرك ولكن كل مره اتردد قائله فى نفسى كفايه عليك الغربه وعناء العمل فأجابها محمد غربة.. عناء العمل.. إن غربتي وشقائي في العمل ضاع كل شيء ضاع ابني الذي كنت أتمنى أن يصبح مهندسًا ناجحًا يصبح هكذا!! كانت أحلامي في أن يكون أولادي متميزين نافعين لمجتمعهم وبلدهم. كان هذا الحلم يهون عليّ كل المصاعب وتساء ل محمد أين أحمد الأن؟ فأجابته زوجته في حزن: خرج منذ يومين ولم يعد حتى الآن فسألها محمد وهل هو معتاد على ذلك؟ فأجابته زوجته نعم، فقال مُتعجبًا وكيف يذاكر إذن فهو في كلية عملية ودراستها تحتاج إلى اجتهاد؟ فأجابته زوجته مذاكرة لقد رسب العام الماضي فازداد حزن والده.
فقال محمد لابنه حسام هيا يا بني نبحث عن أخيك، وأخذ محمد وابنه حسام يبحثان في كل مكان في الشارع والشوارع المجاورة وعند موقف السيرفيس وجدوا شابًا ملقى على الرصيف يرتجف ويهذى بكلمات غير مفهومه ويحرك جسمه بشكل غريب كأنه يصارع الموت، والناس من حوله، منهم من يضحك عليه ويحاول سرقة متعلقاته وأخرون يحاولون إفاقته متعجبين كيف يسلم هذا الشاب نفسه للإدمان ليصبح أضحوكة الناس ومزحة للسائرين، ويسأل بعضهم البعض كيف تركه والده ليصل إلى هذه المرحلة، وكيف يهون على هذا الشاب نفسه ويهون عليه أبيه وأمه وأخوته ليصبح عبدًا للمخدرات التي تعطيه نشوة زائفة وزائلة، وبعد الإفاقة يبحث مرة أخرى ليبيع كل ما يمتلك ويصبح بعد ذلك إنسان عديم النفع لأسرته ولمجتمعه ولبلده، وبدلًا من أن يبنى أسرة ويكسب رضى الله ورضا من حوله يخسر كل شيء حتى حياته.
دقق حسام فى وجه الشاب وصرخ إنه أحمد يا والدي إنه أحمد أخي.. ارتمى والده فوق أحمد وأحتضنه والدمع يتساقط من عينيه كالمطر مردداً ابني ابني أفق، والتقط من أحد من حوله زجاجة مياه، وظل يسكب الماء على وجهه وعندما أفاق أحمد ودقق النظر في من حوله رأى أباه يبكي فوضع يده على عينى والده قائلًا أسف يا والدي أسف لقد سببت لك الألم والحزن، ولم أصبح المهندس الذي كنت تتمناه وانخرط أحمد في البكاء وأجابه والده أحمد لاز ال هناك وقت يابني.. هيا بنا إلى البيت وسنكمل معًا الحديث، ستصبح بخير إن شاء الله أنت الآن مريض وسوف أعالجك يا بني مهما كلفنى ذلك.. سأقف بجانبك يا بني وستقف أنت بجانب نفسك وبجانبي لأنك ابني الكبير أحتاج إليك شافاك الله وعافاك يا بني.
فالتقط أحمد يد والده وظل يقبلها وسط بكائه وبكاء والده وأخيه حسام وجميع الحاضرين.
ذهب محمد وأحمد وحسام إلى البيت، وجلس جميع أفراد الأسرة، واختلى محمد بجميع أفراد الأسرة عند دخول أحمد إلى غرفة نومه قائلًا لهم نحن الآن عندنا مريض أخوكم مريض، ويجب أن نقف جميعًا بجواره، ولا نتحدث عن أي شيء فعله قبل ذلك، أنا سأبحث عن مستشفى لعلاج مثل هذه الحالات.
وبالفعل تم الاتصال بمستشفى، وطلب والد أحمد من أحمد الذهاب معه لشراء بعض الاحتياجات، وقال له والده ستعرف، وبعد دخول المستشفى قال له أحمد إنها مستشفى لعلاج الإدمان يا والدي، قال له والده لا تخف يا أحمد ستصبح بخير إن شاء الله، وخرج الأطباء والممرضين فصاح أحمد أرجوك لا تتركنى يا والدي لا تتركني، فقال له والده وهو يبكي لن أتركك يا أحمد سأظل بجانبك حتى تتعافى إن شاء الله.
خرج محمد من المستشفى والتقط التليفون وطلب رقمًا، فرد عليه صوت، فقال محمد: الشيخ سالمان؟ فأجابه نعم يا محمد، فقال له محمد أنا لن أستطع العوده فأجابه الشيخ سالمان ولماذا؟ لو أردت أن أزود أجرك سأفعل إن شاء الله، قال محمد لا يا شيخ سالمان المسألة ليست مسألة مال ولكنها مسألة البحث عن السراب، فرد عليه الشيخ سالمان مُتعجبًا “مسألة البحث عن السراب” ماذا تعني بذلك يا محمد؟ فأجابه محمد: لا عليك ياشيخ سالمان، ولكن سأتصل بك دائمًا لأطمئن عليك فأنت نعم صاحب العمل ولقد أثرتني دومًا بكرمك وجودك عليّ أدام الله عليك الصحة والعافية.
English 












































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































