السينما الروائية الحربية.. وأنتصارات أكتوبر

بقلم- د.نسرين عبدالعزيز
حققت مصر انتصار أكتوبر عام1973 واستعادت أرضها وكرامتها بنضال جنودها وضباطها وبسالة شعبها، فلقد عانى الشعب المصرى لفترة طويلة ومر بأزمات عدة خاصة بعد نكسة 1967، وما أعقبها من غضب الشارع المصرى وانخفاض الروح المعنوية لدى الجنود والضباط، ولكن استطاع الجندى المصرى أن يستعيد كبرياءه وكرامته خلال حرب الاستنزاف، والتى تعد علامة فارقة فى نصر أكتوبر المجيد، فهى ملحمة لابد أن يعيها كل جيل ويتعرف على ملابساتها والتحديات التى واجهت هذا النصر. فقد قامت بعض الدراسات الإعلامية بإلقاء الضوء على حرب أكتوبر المجيدة ودور الإعلام فى تغطية هذه الحرب، والإستراتيجية التى تبعتها آنذاك، ثم تأتى الدراما التى لا ننكر حقيقة أنها لسان حال الشعوب والمعبر عن التغيرات الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية والثقافية لكل فترة تاريخية يمر بها المجتمع، ففى الفترة التى أعقبت الحرب بدأ الإنتاج السينمائى الحربى لنصر أكتوبر والفترة الممهدة لها فى الظهور، وفى السبعينيات عُرضت كلاسيكيات السينما المصرية الروائية لتعبر عن الحرب وجهود القوات المسلحة وكواليس الشارع المصرى آنذاك، وأعقبها إنتاج العديد من الأفلام فى الفترات التى تلتها إلى وقتنا هذا، فكان فيلم أغنية على الممر، وفيلم الرصاصة لا تزال فى جيبي، وفيلم بدور، وفيلم الوفاء العظيم، وفيلم أبناء الصمت، وفيلم حتى آخر العمر، وفيلم العمر لحظة، وفيلم حكايات الغريب، وفيلم الطريق إلى إيلات، وفيلم يوم الكرامة، وفيلم الكتيبة 418، وفيلم أسد سيناء، وآخرها فيلم الممر.
وحقيقة الأمر أنه فى أحدث دراساتى العلمية والتى كانت عن مدى اعتماد الجمهور المصرى على الأفلام السينمائية الحربية الروائية كمصدر للمعلومات عن حرب السادس من أكتوبر والفترة الممهدة لها، تَوصلت إلى عدة نتائج مهمة وهى أن بعض الأعمال التى تناولت أحداث حرب أكتوبر كان التناول بشكل مختصر فى إطار رومانسى عاطفى يجمع بين البطل والبطلة مثل فيلم «حتى آخر العمر»، و«بدور»، و«الوفاء العظيم»، والبعض الآخر من تلك الأفلام تناول هذه الأحداث بشئ من التفصيل مثل: فيلم «العمر لحظة»، «أبناء الصمت»، «أغنية على الممر»، «الرصاصة لا تزال فى جيبي»، «يوم الكرامة»، «كتيبة 418»، «الممر»، حيث كان يغلُب الطابع الحربى والوطنى لهذه الأفلام على الطابع الرومانسي.
كما قامت السينما المصرية الحربية الروائية بتقديم أفلام تناولت النكسة عام 1967 ومشاعر الأسى التى شعر بها المصريون آنداك وسيطرت عليهم، مع وجود أفلام أخرى تناولت حرب الاستنزاف الواقعة فى الفترة ما بين 1967 ــ 1970، والعمليات الخاصة التى قام بها الجيش المصرى فى هذه الفترة إلى الانتهاء بتحقيق النصر عام 1973م، مرسخين مفهوم الهوية لدى المواطن المصرى أثناء فترة الشدائد والأزمات خلال مشاهدها.
وماذا عن الجمهور المشاهد لهذه الأفلام الحربية من الأعمار المختلفة.. ذكور وإناث؟ فقد كانت غالبية من أجريت الدراسة عليهم يعتمدون عليها كمصدر للمعلومات عن الحرب والفترة الممهدة لها، وكان ذلك بغرض المعرفة واكتساب المعلومات، والاستزادة مما هو يخص فترة حرب أكتوبر والواقع الحربى فى هذه الفترة، فأشاد معظمهم بالممثلين والفنانين الذين شاركوا فى أفلام الحرب من حيث المظهر والأداء والسمات ولغة الحوار القائم بينهم، وأيد معظمه دور المرأة البارز فى حبكة العمل الدرامى الحربي، وأن السينما ركزت على المهن التى شغلتها المرأة ودورها فى فترة حرب أكتوبر والفترة الممهدة لها، ما بين متطوعة فى الهلال الأحمر ـ أو صحفية تطالب بنقلها على الجبهة لتغطية الأحداث ـ أو دليل يرشد المجموعة العسكرية فى الصحراء، أو عضو فى العملية، أو زوجة تدعم زوجها وتشجعه أو أم تشد من أزر ابنها وتشجعه وتحمسه على النصر، وقد تفقد ولدها ويصبح شهيدا.
واعتبروا فيلم «الممر» من أكثر الأفلام السينمائية الحربية الروائية المرتبطة بأحداث حرب أكتوبر ويفضلون مشاهدته، فقد استطاع أن يجذب انتباهم، وأن يعيد أمجاد أبطالنا من الجنود والضباط والشعب على الشاشات من جديد، فضلا عن فيلم الرصاصة لا تزال فى جيبى ، والطريق إلى إيلات الذى حظى بمشاهدة مرتفعة أيضا لديهم، وارتباطهم بالموسيقى التصويرية لأفلام حرب أكتوبر التى داعبت نفوسهم قبل عقولهم.
وأخيرا وليس آخرا سيظل نصر أكتوبر شاهد دليل على إرادة شعب قوى يثق فى قيادته وجيشه. هذه القيادة لديها اهتمام واع فى ظل التحديات والوضع الراهن بتوعية الجيل الجديد والشباب بأحداث سياسية وحروب لم يعاصروها من قبل، وتأكيد ماهية العدو، وترسيخ قيم الانتماء والوطنية لديهم. واهتمت أيضا بزيادة إنتاج الأفلام الوطنية والحربية وجعلتها فى مقدمة أولوياتها، ونحن بالفعل فى أمس الحاجة إليها خاصة لجمهور الأطفال والشباب ، حتى يكون لدينا جيل واع ببطولات وطنه وأمجاده الخالدة دائما.