#مقالات رأى

اكتشاف أثري جديد

د. رامي عطا صديق

Ramyatta610@yahoo.com

أعلنت وسائل الإعلام مؤخرًا عن كشف أثري جديد بأتريبس- محافظة سوهاج، عبارة عن آثار معبد بطلمي، حيث كشفت البعثة الأثرية المصرية الألمانية المشتركة بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة توبنجن الألمانية عن صرح كامل لمعبد بطلمي، وذلك أثناء أعمال البعثة بالناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير بمحافظة سوهاج.

هذا الخبر جعلني أقف بعض الوقت لأتأمل هذه الحالة المصرية، المتميزة وربما الفريدة، من حيث عظمة المصريين القدماء وحضارتهم التي تمتد لآلاف السنين، إذ ما زالوا يغدقون علينا بالاكتشافات الجديدة، المادية منها والأدبية، هذه الاكتشافات التي أبهرت كثيرين حول العالم، من هنا وهناك، ومن مظاهر عظمة تلك الحضارة وقوتها..

أن مصر هي البلد الوحيد حول العالم التي يوجد عِلم باسمها، هو عِلم المصريات “Egyptology”، ويدرس الطلاب في كثير من دول العالم جانبًا من تاريخ مصر وحضارتها، وما قدمته للبشرية، كما يهتم بعلم المصريات باحثون كثيرون في معاهد علمية مرموقة ومقدرة، من المصريين والأجانب.

ومن بين العلوم التي ترتبط بمصر وشعبها أيضًا، عِلم القبطيات “Coptology”، الذي يدرس مجالات الفن والتاريخ والآثار والعمارة واللغة القبطية، وهناك معاهد كثيرة، تهتم بهذا العلم وفروعه، في مصر وخارج مصر، تابعة للكنيسة القبطية أو تابعة للجامعات والمعاهد الحكومية وغير الحكومية.

ومن منّا يستطيع أن ينكر حالة الولع والهيام والهوس والارتباط بكل ما هو مصري، تلك الحالة العجيبة التي تملّكت من البعض، حيث عاش في مصر وحول آثارها عدد من علماء الآثار الأجانب، فيما يُعرف بظاهرة “Egyptomania”، والتي يمكن تعريفها بالوقوع في حب مصر، منهم مثلًا العالم الإنجليزي هوارد كارتر الذي أعلن عن اكتشاف مقبرة “توت عنخ آمون” سنة 1922م بوادي الملوك بمدينة الأقصر، ومن فرنسا عالم الآثار أوجوست مارييت مؤسس المتحف المصري بالقاهرة، وعالم الآثار جاستون ماسبيرو مؤسس المعهد الفرنسي للآثار بالقاهرة، وغيرهم الكثير، وإن تعرضت كثير من آثار المصريين القدماء للسلب والنهب كثيرًا وإهداءات الحكام للأجانب أحيانًا! ولعل متاحف وميادين وشوارع ومكتبات إنجلترا وباريس وألمانيا والنمسا وأمريكا تشهد على ذلك.

تمتلك مصر نحو ثلث آثار العالم القديم، والكثير من آثار الفترات الزمنية التالية، منها الآثار القبطية والعربية والإسلامية..، وبها متاحف مفتوحة، حيث يمشي المواطنون والسُياح في شوارعها وهم يشاهدون حولهم بعض تلك الآثار، ومن أمثلتها منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة، وشارع المعز لدين الله بالقاهرة الفاطمية، وطريق الكباش بمدينة الأقصر الذي يصل بين معبد الأقصر ومعبد الكرنك، ويُذكر هنا جهود اللواء الدكتور سمير فرج في ترميم وتعبيد هذا الطريق وآثاره حين كان رئيسًا ثم محافظًا لمدينة/ محافظة الأقصر.

في شهر إبريل من عام 2021م تابع العالم عملية نقل المومياوات الملكية من المتحف المصري بالتحرير، إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، وفي شهر نوفمبر من ذات العام، تابعنا أيضًا افتتاح طريق الكباش بالأقصر.. وهما الحدثان الذين أثارا اهتمام كثيرين حول العالم، وأذكر وقتها أن صديقًا لي، هو أستاذ إعلام يمني، كتب على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” مُتسائلًا: هاتعملوا فينا إيه تاني يا مصريين؟! ليعبر بسؤاله في حقيقة الأمر عن حضارة مصر وعظمة المصريين.

وقد انعكس الاهتمام بالمصريات وتاريخ مصر وشعبها على الصحافة المصرية، حيث عرفت عبر تاريخها الكثير من الصفحات والصحف والمواقع الإلكترونية المُتخصصة في التاريخ المصري، مثل صحف: عين شمس، رعمسيس، أيام مصرية، ذاكرة مصر، والقائمة تطول.

ومن مظاهر عظمة مصر وحضارتها أيضًا، أننا ومنذ عدة سنوات نحتفل بالكثير من المئويات، ومن ذلك مائتي عام على فك رموز اللغة المصرية القديمة بواسطة العالم الفرنسي شامبليون عام 1822م، ومائة عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون سنة 1922م، والأمثلة كثيرة ومتنوعة.

وهكذا في تقديري فإن مجد مصر الحديث لا بد وأن يكون ملائمًا لمجدها القديم، حسبما يلفت نظرنا الدكتور طه حسين في كتابه الأبرز “مستقبل الثقافة في مصر” الذي صدر عام 1938م، كما أن “مصر هبة المصريين” حسبما يشير أستاذ التاريخ محمد شفيق غربال في كتابه “تكوين مصر” الذي صدر عام 1957م، ما يعني أن على الجيل الحاضر مسؤولية كبيرة في أن يواصل مسيرة آبائنا وأجدادنا المصريين، عبر الحضارة المصرية القديمة والحضارة القبطية والحضارة العربية الإسلامية، بالإضافة إلى حضارة مصر الحديثة، في انفتاح ثقافي، نتواصل من خلاله مع العالم من حولنا، دون أن نتخلى عن هويتنا.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *