زياد الرحباني.. رحيل الإبداعٌ من رحم التمرد والسخرية الجريئة

كتبت: مريم محمد جودة
في صباح يوم السبت، الموافق 26 يوليو 2025، ودّع لبنان والعالم العربي أحد أبرز أعمدته الفنية، عندما غادرنا الموسيقار والمسرحي زياد الرحباني عن عمر ناهز التاسعة والستين عامًا، بعد صراع طويل مع المرض حيث تدهورت حالته الصحيّة خلال الفترات الأخيرة وأعلن الطبيب الشرعي أن الوفاة كانت طبيعية، ناجمة عن مضاعفات تليف الكبد الذي طالته للأيام الماضية.
بدأ زياد الرحباني حياته الفنية في سبعينيات القرن الماضي، فكتب ولحن أولى أعماله في مقتبل العمر، حينما كان في السابعة عشرة ، وذلك بأغنية “سألوني الناس” التي غنتها والدته الفنانة الكبيرة فيروز .
عرف زياد الرحباني بمزجه الفريد بين الموسيقى الكلاسيكية والجاز والأنغام الشرقية، مركّبًا بذلك أسلوبًا موسيقيًا طليعيًا ذكيًا، فرض بصمته خارج الأطر التقليدية للمسرح والأغنية اللبنانية
تميزت أعماله المسرحية بروح سخرية سياسيّة لاذعة، مثل “نزل السرور” و”بالنسبة لبكرة شو؟” و”فيلم أميركي طويل” ، التي عبّرت بصدق عن أوجاع وهوامش المجتمع اللبناني أثناء الحرب المسلّحة وما بعدها
قدّم زياد ألبومات خالدة مع والدته فيروز، مثل وحدن (1979) معرفتي فيك (1987)، حيث أدمج الجاز والفانك والأنماط الغربيّة مع النغمة الشرقية
وداع مشهدي مؤثّر
شيّع جثمان زياد الرحباني يوم الاثنين 28 يوليو 2025، في موكب جنائزي مهيب بدءًا من مستشفى خوري في بيروت، إلى كنيسة رقاد السيدة العذراء في منطقة بكفيا. وقد شهدت المراسم حضورًا شعبيًا كثيفًا، وسط ورود، الزغاريد، ومشاعر الحزن العميقة
ولأول مرة منذ سنوات طويلة، خرجت فيروز والدته إلى العلن، وهي في مظهر مؤثر ارتدت الأسود، وبدت متماسكة رغم ألم الفقد، ما أضفى على اللحظة طابعًا تراجيديًا محضًا
نعاه رئيس الجمهورية جوزيف عون واصفًا إياه بأنه “لم يكن مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة… ضميرًا حيًا وصوتًا متمردًا”
. كذلك عبّر رئيس الحكومة نواف سلام عن حزنه لفقدان “فنان مبدع استثنائي وظل مخلصًا لقيم العدالة والكرامة”
إرث لا يموت
زياد الرحباني ليس مجرد فنان رحل، بل رمز للحداثة والتجديد في الفن العربي. ترك مسرحيات وأغانٍ ستحفر في الذاكرة الجماعية، وستستمر الأجيال القادمة في الاستمتاع بها وفهم رسائلها الإنسانية الصادقة وسيبقى زياد محرّكا ثقافيًا لا يُنسى، وحاملًا للكرامة والحرية بكل تفاصيلهما.