#مقالات رأى

شكرًا شركاء التنمية

بقلم- د. رامي عطا صديق:

يوافق الخامس من شهر ديسمبر مناسبة اليوم الدولي للتطوع أو اليوم الدولي للمتطوعين، حتى يصح دعوته اليوم الدولي للمتطوعين والتطوع، وهو فرصة جيدة للاحتفاء والاحتفال بجهود المتطوعين والمتطوعات وتعزيز أعمالهم وما يقومون به ويقدمونه من خدمات متنوعة للمجتمع، وأن نقول لهم شكرًا.

والتطوع عمل اختياري حر لا يكون فيه المتطوع مُجبرًا على عمل شيء، إذ فيه يُعطي الفرد/ المواطن من وقته وجهده وماله لصالح المجتمع والآخرين، فالفرد يعيش من أجل المجتمع، والمجتمع يعمل من أجل الفرد، وهي دعوة دينية تحث عليها جميع الأديان، مثلما هي دعوة إنسانية واجتماعية تدعو لها المدنية الحديثة. وهناك الكثير من الأمثال الشعبية والمقولات المأثورة التي تدعو للتطوع منها “اعملوا الخير وارموه البحر”، و”قدموا السبت تلاقوا الأحد”، و”ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط”، و”إيد لوحدها ما تسأفش”، و”القفة أم ودنين يشيلوها اتنين”، و”الحياة أخذ وعطا”.. في تأكيد على أهمية التطوع والتعاون والتعاضد لتحقيق المصلحة العامة والخير العام.

وفي تقرير حالة التطوع في العالم 2022م، الذي صدر تحت عنوان “بناء مجتمعات متساوية وشاملة”، أوضح أخيم شتاينر- مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي- أن التطوع يؤدي “دورًا مركزيًا في تعزيز العلاقات بين الناس والدولة. إذ يشجع هذا النوع من العمل على الحوكمة بشكل أفضل، كما يساعد على بناء مجتمعات أكثر مساواة وشمولية، ويعزز الاستقرار. وعلى نحو متزايد يقيم المتطوعون في جميع أنحاء العالم شراكات أوثق مع السلطات الحكومية لمجابهة التحديات الإنمائية العاجلة”.

وأشار تويلي كوربانوف- المنسق التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للمتطوعين- إلى ضرورة “إعادة التفكير في كيفية إشراك المتطوعين بصفة شركاء في التنمية. بينما نعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة”، ويقول إنه “يتعين على الحكومات وغيرها من الأطراف المعنية أن تعمل بشكل أوثق مع المتطوعين، والانخراط معهم كشركاء رئيسيين وفتح المجال لهم للتعاون بشأن إيجاد حلول إنمائية حيوية. والقيام بذلك، يمكننا أن نساعد في وضع عقد اجتماعي للقرن الحادي والعشرين يكون أكثر شمولًا واستجابة لاحتياجات المجتمعات المحلية. وما يتضح لنا هو أن الاعتماد على الإبداع المذهل للمتطوعين وطاقتهم وخبرتهم سيكون أمرًا حاسمًا في تشكيل مستقبل أكثر خضرة وشمولية واستدامة”.

ومن المُتعارف عليه تاريخيًا أن الحكومة- أي حكومة في أي مكان وفي أي وقت- لن تتمكن وحدها من أعباء القيام بتقديم مختلف الخدمات، الاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية..، ومن هنا كان لا بد من مساهمة المواطنين في ترقية المجتمع ورفع مستوى أبنائه، ومن هنا أيضًا تأسست الجمعيات والمؤسسات الأهلية الخيرية غير الهادفة للربح، المعروفة باسم منظمات المجتمع المدني، والتي ينصب عملها على مساعدة المحتاجين وتقديم يد العون للآخرين من خلال المشاركة في تأسيس المدارس والمستشفيات والملاجئ ودور المسنين، وتنمية مهارات المرأة والأطفال والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم وتشجيعهم على العمل والمشاركة في الإنتاج.

والتطوع بذلك قيمة مُهمة وإيجابية، لازمة للمجتمعات المتمدنة والناهضة، تعظم رأس المال الاجتماعي، وتنعكس إيجابًا على المجتمع ككل، الأفراد والمواطنين، الأسر والعائلات، كما تنعكس بالإيجاب أيضًا على المتطوع ذاته، من حيث اكتساب خبرات جديدة وتنمية قدراته ومعارفه ومعلوماته وإدراك الذات والآخرين، وامتلاك قيمة العمل الجماعي المشترك والتحلي بروح الفريق، والاستثمار الأمثل للإمكانيات والوقت.

ويزداد أهمية العمل التطوعي في وقت الضيقات والكوارث والأزمات، مثل الزلازل والبراكين والسيول، والجوائح العالمية مثلما حدث مؤخرًا مع أزمة “كوفيد-19” بأبعادها الصحية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حيث ظهرت الكثير من النماذج الإيجابية للمتطوعين، في توفير الأكسجين والكحول والكمامات، والأغذية الصحية، وتقديم مساعدات للعمالة الحرة غير المنتظمة. ولا ننسى أن هناك الكثير من المشروعات العظيمة التي تأسست بجهود خيرية تطوعية من خلال الاكتتاب، مثل تأسيس الجامعة الأهلية المصرية 1908م (جامعة القاهرة حاليًا).

ولأن التطوع قيمة إيجابية ضرورية فمن المهم إكساب الأطفال والنشء هذه القيمة الحياتية، بالتنسيق مع البرامج الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، من خلال تدريب تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات على التطوع عبر تنظيم الزيارات الميدانية للملاجئ والمستشفيات ودور المسنين..، وحثهم على عمل الخير والانتماء للجمعيات والمؤسسات الأهلية، فمع التطوع نعيش ونجدد إنسانيتنا.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *