الشيخ محمود خليل الحصري .. أول من رتل القرآن في الكونجرس ورفع الأذان في الأمم المتحدة

كتبت: فاطمة علاء
يعد الشيخ محمود خليل الحصري أحد أبرز قراء القرآن الكريم في مصر والعالم الإسلامي، حيث وُلد في قرية شبرا النملة بمركز طنطا في محافظة الغربية في 17 سبتمبر من عام 1917. حفظ القرآن الكريم في سن الثامنة، ثم التحق بالمعهد الديني في طنطا وتعلم القراءات العشر في الأزهر الشريف.
سمي الشيخ محمود خليل الحصري، بهذا الاسم نسبة لمهنة والده، الذي كان يعمل بصناعة “الحصير” لفرش المساجد الصغيرة بالقرى المصرية قديما، قبل تعميم فرشها بالسجاد حديثا، وهبه والده لحفظ القرآن، فحفظه ولم يتعد عمره 8 سنوات، ودرس في المسجد الأحمدي في مدينة طنطا وتعلم القراءات العشر، وكل ما كتبه من كتب، وكل ما خطت يداه كان عن القرآن وأحكام قراءته، ووقفه وابتدائه، ومشاهير القراء واختلاف قراءاتهم للقرآن، بدأ قارئا في قريته ثم في القرى المجاورة، ثم قارئا في مسجد الحسين، ثم بعد ذلك عميد القراء ورئيس اتحاد قراء العالم.
في عام 1944، تقدم لاختبارات الإذاعة المصرية، وجاء ترتيبه الأول بين المتقدمين، ليبدأ مسيرته الإذاعية التي امتدت لعقود. وكان أول من سجل المصحف المرتل بصوته في العالم عام 1968 برواية قالون ورواية الدوري، وذلك بهدف الحفاظ على القرآن الكريم من التحريف.
كان الشيخ الحصري -علاوة على كونه قارئاً متقنًا لكتاب الله- ذا علم واسع بالتفسير والحديث، مجيداً لقراءات القرآن العشر؛ إذ عكف طيلة حياته على علوم القرآن، وشُغف بعلم القراءات حتى أصبح عَلَماً من أعلامه، فنال فيها شهادة من الأزهر الشريف، وكان يحاضر في موضوعاتها في العديد من الجامعات الإسلامية.
تولى الحصري موقع رئيس الاتحاد العالمي لقراء القرآن الكريم، قرأ في معظم بلاد العالم، المسلمين وغير المسلمين، وقرأ في جبل عرفات والمسجد الحرام، وقرأ في الروضة الشريفة في المسجد النبوي بالمدينة المنورة، وقرأ في أوروبا وآسيا، وهو أول من استقبله الرئيس الأميركي جيمي كارتر ليقرأ القرآن في الكونجرس.
قضى الشيخ الحصري حياته في خدمة القرآن وسعيا في حفظ كتاب الله والعمل به، وفي عام 1961م عين بقرار جمهوري شيخا لعموم المقارئ المصرية، وفي العام التالي عين نائبا لرئيس لجنة مراجعة المصاحف وتصحيحها بالأزهر الشريف ثم رئيسا لها بعد ذلك.
وقد لعب الشيخ الحصري دورا كبيرا في إنشاء أول إذاعة للقرآن الكريم في العالم، وقصة أول جمع صوتي للقرآن الكريم بعد 1400 سنة من أول جمع كتابي له في عهد خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبي بكر الصديق.
في أوائل الستينيات من القرن الماضي، ظهرت طبعة فاخرة من المصحف تحوي تحريفات خبيثة لبعض آيات القرآن، منها قوله تعالى: “ومَن يَبتغِ غَيرَ الإسلام دِينا فلن يُقبَل منهُ وهو في الآخرة من الخاسرين {85}” (سورة آل عمران)، وطبعت مع حذف كلمة “غير”، فأصبحت الآية تعطي عكس معناها تماما، وفي زيارة خارجية للشيخ الحصري عام 1962، فوجئ بتحريف مخل لبعض آيات المصحف الشريف، فما كان منه إلا أن عرض المشكلة على شيخ الأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة.
بعد هذه الواقعة تقرر تسجيل صوتي للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، على اسطوانات توزع نسخ منها على المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي، ثم تبين أن هذه الوسيلة لم تكن فعالة في إنجاز الهدف المنشود من ورائها؛ نظرا لعجز القدرات والإمكانات المادية في الدول الإسلامية في ذلك الوقت، فصدر قرار جمهوري بإنشاء أول إذاعة للقرآن الكريم تبث في كل أنحاء العالم.
وفي تمام الساعة السادسة صباح الأربعاء الموافق 11 ذي القعدة سنة 1338 هـ، الموافق 25 مارس سنة 1964، كان صوت الشيخ الحصري أول صوت يبث عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، الذي حددت ساعات بثها في البداية لآيات القرآن الكريم بالقراءات العشر لمدة 14 ساعة يوميا.
توالت تسجيلاته الخالدة للقرآن الكريم برواياته المختلفة لأول مرة في تاريخ الإسلام، فكان أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية قالون ورواية الدوري وذلك عام 1968، وفي العام التالي كان أول من سجل المصحف المعلم في أنحاء العالم (طريقة التعليم)، وفي عام 1975 كان أول من رتل القرآن الكريم في العالم بطريقة المصحف المفسر (مصحف الوعظ)، وفي عام 1977 كان أيضا أول من رتل القرآن الكريم في أنحاء العالم الإسلامي في الأمم المتحدة أثناء زيارته لها بناء على طلب جميع الوفود العربية والإسلامية.
السفارات المقدسة
سافر الشيخ الحصري إلى الولايات المتحدة لأول مرة موفدا من وزارة الأوقاف للجاليات الإسلامية بأميركا الشمالية والجنوبية عامي 1971، 1973، وقرأ القرآن في الأمم المتحدة أثناء زيارته لها، كما قرأه في قاعة الكونغرس في البيت الأبيض، وخلال المؤتمر الإسلامي الأول في الهند، قرأ القرآن في حضور الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس الهندي جواهر لال نهرو وزعيم المسلمين بالهند، بالإضافة إلى ترتيله للآيات الكريمة في القاعة الملكية وقاعة “هيوارت” المطلة على نهر التايمز في لندن، ودعاه مجلس الشؤون الإسلامية إلى المدينتين البريطانيتين ليفربول وشيفيلد للقراءة أمام الجاليات العربية والإسلامية في كل منها.
بعد ذلك وضع الحصري خطة لإيفاد بعثات دينية لتلاوة القرآن للمسلمين في كل دول العالم، واصطحب الشيخ شلتوت، شيخ الأزهر، في جولة أخرى إلى باكستان والملايو والفلبين وهونغ كونغ وإندونيسيا، وتوالت البعثات في هذا العام، فخرجت 500 بعثة لتحيي شهر رمضان في كل أنحاء العالم.
توفي الشيخ محمود خليل الحصري في 24 نوفمبر 1980، بعد حياة حافلة في خدمة القرآن الكريم.
وأوصى الشيخ الحصري بثلث ماله لخدمة كتاب الله، وبناء معاهد القرآن الكريم، وبنى في قريته مسجدا ومعهدا لدراسة وحفظ القرآن، وأتم بناءهما قبل رحيله بعام واحد، إلى جانب مسجد في العجوزة بشارع الفلوجة، والثالث في ميدان الحصري بمدينة 6 أكتوبر، وصار اسمه معروفا بالجامع وبالميدان الذي بني المسجد فيه.