الإعلام في عصر الواقع المعزز

بقلم: أ.م.د. هند يحى
في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، شهد الإعلام تحولات كبيرة بسبب التطورات التكنولوجية التي أعادت تعريف الطريقة التي نتعامل بها مع الأخبار والمعلومات. واحدة من هذه التقنيات التي بدأت تثير اهتمام الصحفيين والمختصين هي الواقع المعزز (AR) ، فبينما أصبح الإنترنت والمنصات الرقمية جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، يبدو أن الواقع المعزز قد يكون هو العامل القادم الذي سيحدث تغييرًا جذريًا في صناعة الصحافة، ويأخذها إلى آفاق جديدة، لخلق تجربة إعلامية ثلاثية الأبعاد.
الواقع المعزز هو تقنية تدمج العناصر الافتراضية (كالصور، والنصوص، والفيديوهات) مع البيئة الحقيقية للمستخدم، لتوفير تجربة تفاعلية وغامرة. على عكس الواقع الافتراضي الذي ينقل المستخدم إلى بيئة معزولة، يقوم الواقع المعزز بإضافة طبقات من المعلومات إلى الواقع المحيط.
في مجال الصحافة، يمكن أن يساعد الواقع المعزز في نقل الخبر بطرق غير تقليدية، مما يمكن الجمهور من التفاعل مع القصص بشكل أعمق. فمثلًا، بدلًا من قراءة تقرير صحفي جاف عن حادث معين، يمكن للقارئ عبر تقنية الواقع المعزز أن يرى مشهد الحادث كما لو كان في مكانه، بل ويمكنه التفاعل مع التفاصيل المحيطة، مثل المواقع الزمنية والمكانية المرتبطة بالحادث.
ويمكن للواقع المعزز إعادة تعريف الصحافة من خلال عدة أشياء وهي: تعزيز التفاعل والتجربة البصرية، حيث أنه لن تقتصر الصحافة المستقبلية على النصوص والصور فقط، بل ستصبح أكثر تفاعلية، ويمكن للقراء أن يتنقلوا في القصة ويختبروا الأحداث كما لو كانوا جزءًا منها. على سبيل المثال، في تقرير عن حدث تاريخي، قد يتمكن القارئ من رؤية صور وأحداث حية تضاف إلى موقع الحدث في الوقت الفعلي، مما يتيح له فهمًا أعمق وأوضح.
أيضا التغطية المباشرة في بيئة تفاعلية، فالصحفيون في المستقبل قد يستخدمون تقنيات الواقع المعزز لتغطية الأحداث بشكل مباشر. ويمكن للمتابعين عبر هواتفهم الذكية أو أجهزة الواقع المعزز أن يشاهدوا الأحداث في الموقع، متفاعلين مع التفاصيل من زوايا متعددة ومشاركة في القصص لحظة بلحظة.
ومع استخدام الواقع المعزز، يمكن للصحف والمواقع الإخبارية تقديم تجارب مخصصة للقراء، حيث يتم تخصيص المحتوى بناءً على اهتماماتهم. فمثلًا، إذا كان القارئ مهتمًا بالاقتصاد، قد يتلقى تقارير مالية عبر الواقع المعزز تعرض الرسوم البيانية والتنبؤات الاقتصادية في بيئة تفاعلية ثلاثية الأبعاد.
كما يمكن للواقع المعزز أن يساعد الصحفيين في تقديم معلومات معقدة مثل البيانات الاقتصادية أو العلمية بطريقة أكثر وضوحًا وجاذبية. بدلًا من مجرد قراءة جداول أو رسوم بيانية، يمكن للمستخدمين استكشاف هذه البيانات في بيئة تفاعلية، مما يسمح لهم بفهمها بطريقة أكثر فاعلية.
وعلى الرغم من إمكانيات الواقع المعزز المذهلة، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تعيق اعتماده بشكل واسع في الصحافة. أولًا، ستكون هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والتدريب الصحفي لتبني هذه التقنيات الجديدة. كما قد تثير بعض القضايا المتعلقة بالخصوصية والأمان، خاصة إذا تم استخدام الواقع المعزز في جمع البيانات الشخصية أو التفاعل مع الأحداث الحساسة.
علاوة على ذلك، قد يحتاج الصحفيون إلى تطوير مهارات جديدة في مجال تصميم المحتوى ثلاثي الأبعاد، وهو ما يتطلب إضافة بعد جديد إلى التدريب الأكاديمي والتدريب المهني الحالي.
في الختام، يبدو أن الصحافة في عصر الواقع المعزز ستصبح أكثر تفاعلية وغامرة، مما سيغير من طريقة تقديم الأخبار بشكل جذري. في المستقبل، قد نجد الصحافة ليست مجرد مصدر للأخبار بل تجربة تفاعلية تتيح للمستخدمين الانغماس في الأحداث بشكل لم يكن ممكنًا من قبل. الصحفيون سيكونون بحاجة لتوظيف هذه التقنيات الجديدة بطريقة مسؤولة وأخلاقية، للحفاظ على جودة المعلومات ومصداقيتها في ظل هذه البيئة التكنولوجية المتطورة.
ومع تقدم هذه التكنولوجيا، يمكننا أن نتوقع أن يصبح الإعلام في بيئة ثلاثية الأبعاد جزءًا أساسيًا من التجربة اليومية للقراء، ما يفتح أمامنا عوالم جديدة من المعلومات والتفاعل مع الواقع.