إعلام الشروق يصدر كتاب “محمد سلماوي.. رحلة كلمة ومسيرة إبداع” تكريمًا لمسيرته الأدبية والفكرية

كتب- محمد منصور:
في إطار احتفالية أكاديمية الشروق بتخريج دفعة جديدة من أبنائها والتي تحمل اسم الكاتب الكبير محمد سلماوي، أصدرت له كتاب بعنوان “محمد سلماوي.. رحلة كلمة ومسيرة إبداع”، من إعداد د. رامي عطا صديق رئيس قسم الصحافة بالمعهد الدولى العالى للإعلام، ورشا إسماعيل، وجهاد عادل، وإخراج فني هيثم السيد، وتقديم د. سهير صالح إبراهيم عميد المعهد الدولى العالى للإعلام، الكتاب الذي صدر عن المعهد، لا يكتفي برصد سيرة أحد أبرز المثقفين المصريين والعرب، بل يقدم رؤية بانورامية لمسيرة امتدت عبر الصحافة والأدب والفكر والثقافة الوطنية.
العمل يُعد بمثابة وثيقة إعلامية رمزية لدفعة خريجي المعهد (2024-2025)، ليصبح شاهدًا على جهد أكاديمي طلابي يلتقي مع قيمة ثقافية كبرى في آن واحد.
المثقف الموسوعي
يُقدّم الكتاب محمد سلماوي باعتباره المثقف الموسوعي الذي لم يحصر نفسه في مجال واحد، فهو الصحفي المحترف الذي قاد مؤسسات إعلامية كبرى، والأديب الذي أبدع في المسرح والرواية والقصة، والمفكر الذي أسهم في صياغة الخطاب العام في مصر والعالم العربي.
يصفه الكتاب بأنه شخصية تجمع بين صرامة التحليل وعمق الإنسانية، وبين واقعية السياسي وخيال الأديب، مما جعله حاضرًا في وجدان القارئ العربي على مدى أكثر من نصف قرن.
البدايات والتكوين
ولد سلماوي في القاهرة عام 1945م، في بيت احتضن مكتبة غنية كانت “جامعته الأولى”، ورسّخت فيه حب القراءة والاطلاع، ودرس اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة (ليسانس آداب – 1966م)، ثم حصل على دبلوم مسرح شكسبري من جامعة أكسفورد (1969م)، وماجستير الاتصال الجماهيري من الجامعة الأمريكية بالقاهرة (1975م).
هذا التكوين المتنوع منح شخصيته بعدًا عالميًا، ورسّخ لديه إيمانًا بأن المثقف الحقيقي هو من يجمع بين المعرفة الأكاديمية والوعي بالمجتمع.
من المدرجات إلى قاعات التحرير
بدأ سلماوي مسيرته كمعيد في كلية الآداب (1966 – 1970م)، لكنه سرعان ما وجد نفسه أكثر انجذابًا لعالم الصحافة، التحق بمؤسسة الأهرام عام 1970م، وهناك انطلقت رحلته الحقيقية مع الكلمة.
أسس جريدة الأهرام ويكلي بالإنجليزية (1991م) والأهرام إبدو بالفرنسية (1994م)، وترأس تحريرها حتى 2010م، كما تولى رئاسة مجلس تحرير المصري اليوم ثم مجلس أمنائها، وكان مستشارًا لتحرير الأهرام الدولي.
داخل نقابة الصحفيين، انتُخب عضوًا لمجلس النقابة ورأس لجنتها الثقافية، كما شغل موقع وكيل أول المجلس الأعلى للصحافة بعد ثورة يناير.
مدرسته الصحفية جمعت بين العمق التحليلي واللغة الميسرة، مع جرأة في النقد ورصانة في الأسلوب، ليؤكد أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل فن يسعى لتمكين الجمهور من فهم القضايا المعقدة.
إبداع أدبي متجدد
لم يتوقف عطاؤه عند الصحافة، بل امتد إلى الأدب حيث ترك بصمات واضحة:
المسرحيات: من بينها فوت علينا بكرة (1983م)، القاتل خارج السجن (1985م)، سالومي (1986م)، الجنزير (1992م)، ورقصة سالومي الأخيرة (1999م)، تميزت أعماله المسرحية بالرمزية والسخرية والعمق في رسم الشخصيات.
القصص القصيرة: مثل الرجل الذي عادت إليه ذاكرته (1983م)، وباب التوفيق (1994م).
الروايات: أبرزها الخرز الملون (1990م)، وأجنحة الفراشة (2011م) التي تنبأت بثورة 25 يناير، وصولًا إلى زهرة النار (2025م).
الترجمات: أهمها ترجمة الأمير الصغير لأنطوان دو سانت إكزوبري.
المذكرات: يومًا أو بعض يوم (2017م) والعصف والريحان (2021م)، وقدمت شهادة شخصية على أحداث سياسية وثقافية بارزة.
أدبه يُعرّف بلغته الساحرة، وبنائه المحكم للعوالم السردية، وقدرته على استبصار التحولات المجتمعية قبل وقوعها.
الدور الوطني والفكري
كان سلماوي حاضرًا في قلب الأحداث الوطنية، وخلال ثورة يناير 2011م تبنّى موقفًا نقديًا متوازنًا، معترفًا بشرعية الحراك الشعبي ومحذرًا من الفوضى، وفي ثورة يونيو 2013م اعتبرها تصحيحًا لمسار يناير، وشارك في صياغة خارطة الطريق.
عضويته في لجنة الخمسين لتعديل الدستور (2013م) كانت محطة بارزة؛ إذ عمل كمتحدث رسمي باسمها، ودافع عن تضمين فصل خاص بالمقومات الثقافية لأول مرة في الدساتير المصرية.
رؤيته الفكرية تؤمن بأن الثقافة ضمير الأمة وبوصلة التنوير، وأن المثقف لا بد أن يكون ناقدًا ومصلحًا اجتماعيًا، وهو يؤمن بضرورة التوازن بين الهوية القومية والانفتاح على العالم، ويرى أن الديمقراطية والتعددية هما السبيل الأمثل للحكم الرشيد.
التكريمات والجوائز
حصل سلماوي على أرفع الجوائز الثقافية في مصر والعالم العربي، منها:
جائزة النيل في الآداب (2021م).
جائزة الدولة التقديرية في الآداب (2012م).
جائزة القدس (2017م) من اتحاد الأدباء العرب.
وسام الفنون والآداب الفرنسي (1995م)، ووسام الاستحقاق الإيطالي (2006م)، ووسام التاج الملكي البلجيكي (2008م).
أما مسرحياته فقد حصدت جوائز من مهرجانات القاهرة وقرطاج وجرش، ليؤكد أن إبداعه وصل صداه إلى المحافل العربية والدولية.
دراسات أكاديمية عن إبداعه
الكتاب يشير إلى ثراء الاهتمام الأكاديمي بأعمال سلماوي، حيث تناولت رسائل جامعية عدة مسرحه ورواياته، مثل:
مظاهر الاغتراب في مسرح محمد سلماوي (2016م).
خطاب الحب في مسرحيتي “سالومي” و”المسرحية الأخيرة” (2021م).
استشراف الأدب للتحولات السياسية في رواية أجنحة الفراشة (2021م).
هذا الحضور الأكاديمي يعكس أن أعماله لم تكن مجرد نصوص إبداعية، بل موضوعًا للبحث والتحليل في كبرى الجامعات.
إرث متجدد
يخلص الكتاب إلى أن محمد سلماوي ليس مجرد اسم في سجل الثقافة المصرية، بل إرث متجدد يعيش في وجدان أجيال متعاقبة، فهو معلّم وملهم ومرجع، ظل طوال مسيرته صوتًا للعقلانية والتنوير في زمن تتنازعه التطرفات.
محمد سلماوي.. رحلة كلمة ومسيرة إبداع ليس مجرد كتاب تذكاري، بل وثيقة فكرية تحتفي بمثقف عاش مخلصًا لقضايا وطنه وأمته، ودفع ثمن دفاعه عن الحرية والديمقراطية والإبداع، إنه كتاب يذكّر القارئ بأن الثقافة ليست ترفًا، بل ضرورة لتوازن المجتمع ونهضته.