الجهود العربية في توطين الذكاء الاصطناعي

بقلم. د. محمد شومان
مصر والدول الخليجية تستثمر أكثر من 200 مليار دولار فى الذكاء الاصطناعي .. ونقص المتخصصين والتبعية التكنولوجية أكبر التحديات .
تشهد مصر ودول الخليج اهتماما مكثفا بتوطين واستخدام الذكاء الاصطناعي، مدعوما باستثمارات غير مسبوقة وشراكات دولية استراتيجية. فخلال زيارة ترامب إلى السعودية عام 2025 تم إطلاق «Humain» فى مايو 2025، وقررت السعودية استثمار 10 مليارات دولار فى تأسيس صندوق تمويل للشركات الناشئة فى مجال الذكاء الاصطناعى ، علاوة على توقيع عقود بقيمة 23 مليار دولار مع Nvidia وAMD وAWS،وإنشاء مناطق ذكاء اصطناعى «AI Zone» فى مدن سعودية باستثمارات تقدر ب 5 إلى 6 مليارات دولارات. كما عقدت صفقات ضخمة بقيمة تجاوزت 20 مليار دولار مع أمازون واوركال وجوجال .
وخصصت الإمارات ميزانية حكومية تقارب 4 مليارات دولار للبنية التحتية الرقمية ،وتم إنشاء مركز «Stargate» بتكلفة تقدر بنحو 6 مليارات دولار، بالشراكة مع OpenAI وG42، ليكون منصة حيوية لأبحاث الذكاء الاصطناعي. وأطلق صندوق MGX الضخم بقيمة استثمارات تصل حتى 100 مليار دولار . وأطلقت قطر مشروع «Fanar»فنار بمبادرة من QCRI لدعم نماذج لغوية عربية-إنجليزية متعددة الوسائط،. كما تستثمر قطر 2.5 مليار دولار فى هذا المجال .
وتسير مصر اكبر الدول العربية بخطوات ثابتة نحو تعريب الذكاء الاصطناعى ونشر استخدامه ، ففى أبريل 2025، أطلقت مصر استراتيجية وطنية تستهدف رفع مساهمة الذكاء الاصطناعى إلى 42.7 مليار دولار بحلول 2030، ودعم إنشاء نحو 250 شركة ناشئة فى المجال. كما وقعت اتفاقيات مع مع Microsoft وIBM وAWS لتدريب 500 ألف كادر أكاديمى وتقنى على الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات ، فى اطار مشروع مصر الرقمية . لكن التطور الأهم جاء مع اتجاه مصر نحو العملاق الصينى أحد اكبر اللاعبين فى مجال الذكاء الاصطناعى ، والذى يمكن ان يوفر كثير من تقنيات الأيه آى بأسعار اقل كثيرا من التقنيات الامريكية التى أصبحت لاعبا رئيسا فى منطقة الخليج ، وعلى سبيل المثال بلغت تكلفة تأسيس وتشغيل شات جى بى تى 100 مليون دولار عام 2022 ، بينما بلغت تكلفة ديب سيك الصينى 6 ملايين دولار فقط!! فى هذا السياق وقعت مصر مذكرة تفاهم مع مجموعة تسينغهوا الموحدة الصينية لإنشاء صندوق بقيمة 300 مليون دولار للذكاء الاصطناعى والرقائق، يركز أساساً على التعليم والبحث والتطوير. وأرجو أن تتوسع مصر فى التعاون مع الشركات الصينية العملاقة فى مجال الذكاء الاصطناعي.
والحقيقة أن الاهتمام الخليجى والمصرى بتوطين واستخدام الذكاء الاصطناعى يدعم من جهود التنمية ، كما يتيح فرصا هائلة لتطوير نماذج وتطبيقات عربية يمكن ان يستفيد منها 500 مليون عربى مما يفتح افاق اقتصادية وتنموية واعدة .وعلى سبيل المثال يمكن إمكانية إنشاء نماذج ذكاء اصطناعى مثل شات جى بى تى تفهم اللغة العربية بجميع لهجاتها وتراعى الخصوصية الثقافية العربية . كذلك يمكن إطلاق مشروعات تعاون مصرية-خليجية فى الذكاء الاصطناعى تغطى كل المجالات . لكن فى المقابل لابد من الاعتراف بوجود عدد من المشكلات والتحديات أهمها من وجهة نظري:
1-نقص عدد المتخصصين فى الذكاء الاصطناعى ، وضرورة التركيز فى هذه المرحلة على التعليم والتدريب ونقل الخبرات وارسال مبعوثين للدول المتقدمة لتجسير الفجوة المعرفية والتكنولوجية بين الدول العربية والدول الرائدة فى مجال الذكاء الاصطناعى ، وهنا قد يكون لتوجيه أعداد أكبر من الدراسين للصين ميزات نسبية خاصة بالنسبة لمصر .
2-التبعية للشركات الغربية أو الصينية العاملة فى هذا المجال ، إذ تتحكم هذه الشركات فى مستويات المعرفة والتكنولوجيا التى ستتاح للدول العربية ، وفى الوقت نفسه قد تستفيد من قواعد البيانات العربية الضخمة .وبالتالى لابد من الوعى بهذه المشكلة والتعامل معها بذكاء وفى ضوء استراتيجيات وطنية وعربية تتيح لنا التعلم ونقل المعرفة والتكنولوجيا ، مع تطوير قدراتنا الذاتية وضمان الاستقلال .
3-ندرة البيانات المحلية، وبالتالى الحاجة إلى توفير قواعد بيانات ضخمة ومحلية، تشمل لهجات وممارسات اجتماعية وثقافية مختلفة، وهو ما تقوم به مصر والدول العربية حاليا فى اطار جهود التحول الرقمى .
4-عدم وجود تشريعات واضحة لحماية البيانات وخصوصية المستخدمين، خصوصاً فى مجالات مثل الصحة والمراقبة البيئية والأمنية . لذلك تتجه مصر والدول العربية بقوة نحو تطوير تشريعاتها وإعلان مواثيق شرف خاصة باستخدام الذكاء الاصطناعى .
لكن مهما كانت المخاطر والتحديات فإن الأهم أن نبدأ ونستكمل طريق تعريب وتوطين الذكاء الاصطناعى ، والتوسع فى تعليمه واستخدامه بشكل آمن واخلاقى فى كل المجالات .