لا تلوموا الشباب

د. رامي عطا صديق
منذ فترة قريبة كتب الأستاذ أنور الهواري، الكاتب الصحفي بجريدة “الأهرام” ورئيس تحرير جريدة “المصري اليوم” الأسبق، على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، يقول إنه تقابل مع مجموعة من الشباب في سن العشرين، وفي إطار التعارف بينهم قال لهم إنه صحفي في “الأهرام”، وكانت المفاجأة أن هؤلاء الشباب لم يتعرفوا على جريدة “الأهرام”، واقترحوا عليه أن تهتم الجريدة بتنظيم حملة دعاية وإعلانات، حتى تنتشر “الأهرام” ويعرفها القراء! وكان تعليق الكاتب الصحفي الأستاذ أسامة سرايا- رئيس تحرير جريدة “الأهرام” الأسبق- “مش محتاجين نعمل إعلانات للبهايم”!
وبغض النظر عن الموقف الصادم الذي مر به الأستاذ أنور، والتعليق الحاد من جانب الأستاذ أسامة، فمن الواضح أننا أمام ظاهرة عامة تتمثل في ضعف اهتمام بعض الشباب بالثقافة العامة وتحصيل المعرفة، وأقول “بعض” حتى لا أكون مُبالغًا، وهي مسألة يُلاحظها كل من يدخل في تعاملات مباشرة مع الشباب الجامعي، وأذكر هنا أنني مررت ببعض المواقف المُشابهة، ففي إحدى المحاضرات سألت مجموعة من الطلاب: ماذا تعرفون عن الفنان المسرحي والسينمائي نجيب الريحاني؟ وكانت الصدمة أنه لم يتعرف عليه أحد من نحو “250” طالب وطالبة! وبالنسبة لهم فإن أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وصباح وغيرهم من فناني هذا الزمن، شخصيات فنية قديمة جدًا، لا يهتمون بمتابعة أعمالهم، وأنهم بالإجمال لا يهتمون بتاريخ الفنون!
ومرة أخرى سألت الطلاب ما المقصود بمصطلح القوى الناعمة “Soft power”؟ لكنهم لم يعرفوا! وإن اجتهد أحد الشبان وقال بصوت منخفض: هل تقصد “الستات”؟! ولم يكن هذا الطالب يمزح بل كان يتكلم بصدق وفي حدود اجتهاده! ناهيك عن أسئلة أخرى من نوع: ما المقصود بالحزب السياسي؟ وما هي الأيديولوجية؟ وماذا تعرفون عن الديمقراطية؟ فضلًا عن موضوعات تاريخية تتعلق بشخصيات رائدة أو مواقف وأحداث بارزة!
وربما يتذكر بعض منا أنه منذ سنوات وفي مقابلات خاصة باختبارات السلك الدبلوماسي، كانت معلومات أحد الشباب عن نجيب محفوظ أنه مخرج سينمائي! وكانت معلومات آخرين عن مصطفى النحاس ومكرم عبيد وعباس العقاد أنها أسماء شوارع في مدينة نصر!
وعلى الرغم مما نشعر به من حزن وألم عقب هذه الحوارات التي تعكس أزمة جيل، ففي تقديري أنه إذا كان الشباب يتحملون جانبًا من المسؤولية عن حالة الجهل وغياب المعرفة، نتيجة ضعف الاهتمام بقراءة الكتب ومطالعة الصحف ومتابعة غيرها من وسائل الإعلام ومصادر الثقافة، إلا أنه ليس حسنًا أن نلقي باللوم كاملًا على الشباب، خاصة وأنهم نتاج نظام اجتماعي وتعليمي وثقافي يتطلب مراجعة، وعلينا أن نكون صادقين مع الذات، وأن نسأل أنفسنا لماذا وصل بعض الشباب إلى هذه الحالة وهذا الوضع؟ من حيث الانفصال عن متابعة المؤسسات الإعلامية والثقافية الجادة والرصينة، واتجاههم نحو مواقع التواصل الاجتماعي والثقافة السريعة ومتابعة الفيديوهات القصيرة، والكتابة بالعامية أو بطريقة الـ”فرانكو آراب”! وأن نسأل أنفسنا أيضًا: لماذا يتركون أعمالًا فنية تتسم بالعمق والأصالة ويبحثون عن أعمال أخرى ليست كذلك؟! هذه الممارسات وغيرها باتت أمرًا واضحًا لكل من يتابع المجال العام وتفضيلات جمهور الشباب.
في رأيي أن الخطوة الأولى هي ألا نستسلم، لأن الاستسلام معناه الموت وفقدان الأمل، ما يتطلب الاستمرار في العمل من أجل التثقيف والتنوير، وأن نشجع الشباب على القراءة والبحث عن المعرفة وتحصيل المعلومات، فكلنا مسؤولون مع الشباب، بدءًا من مؤسسة الأسرة، مرورًا بالمؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية والفنية والمراكز الرياضية والشبابية ومؤسسات المجتمع المدني.
أتطلع إلى إعداد برامج توعية ثقافية في قصور الثقافة ومراكز الشباب، وإجراء المسابقات الثقافية والفنية والأدبية بين الشباب، وتقديم محتوى صحفي وإعلامي يسلط الضوء على التراث والعادات الأصيلة ويرسخ منظومة القيم الإيجابية، ويهتم بالجوانب الثقافية في مختلف المجالات، في إطار من التعاون بين وزارات التربية والتعليم والتعليم الفني والتعليم العالي والثقافة والشباب والرياضة، ودعم الزيارات الميدانية للمؤسسات الثقافية والمواقع الأثرية مثل المتاحف الأثرية والفنية ودار الأوبرا والمكتبات العامة، وارتياد دور السينما والمسرح وقاعات الفن التشكيلي، وترويج الكتب المسموعة، وتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي ومختلف التطبيقات، من أجل دعم الاهتمام بالثقافة العامة، وتنمية الذوق الفني الرفيع، وتحفيز المشاركة في الفعاليات الثقافية، وتشجيع مهارات التفكير النقدي، والحوار الثقافي لتعزيز الفهم المشترك، ما يُسهم في تعزيز الهوية المصرية التي تتفاعل مع مختلف الثقافات في انفتاح صحي دون تعصب ودون انغلاق.