رجاءٌ لا ينقطع

سامي محمد المرسي
في قلب كل إنسانٍ وميضٌ صغيرٌ يُسمى “الأمل”، يُولد معه منذ اللحظة الأولى، ويرافقه في دروب الحياة، مهما اشتدت العواصف، وتعثرت الخطوات، ذلك الوميض هو ما يصنع الطموح، وما يجعله يسعى، ويتعثر، ثم يقف من جديدٍ، لكنّ الكثير يخلط بين الحلم المُستحيل، والطموح المعقول، بين القفز إلى السحاب دون أجنحة، وبناء السلالم درجة درجة، حتى يبلغ المرء غايته. ولذلك، فإن الطموح لا بد أن يكون مرهونًا بقدراتك، لا مُقيدًا لها؛ بل يوجهك بما يتناسب معك، حتى إذا ارتفع سقفه يومًا، وإن جاءت عثرة طارئة، لا تتوقف، ولا تقطع أبدًا حبل الرجاء.
وفي لحظة صفاءٍ نادرة، استرجع عبارة: “يا بني، اجعل سقف طموحك مناسبًا لقدراتك، لكن لا تضعف إذا سقط عليك شيءٌ من هذا السقف”، تلك الجملة حملت مفتاحًا سحريًا، يُعيد ترتيب الأفكار من جديدٍ.
فأن تربط طموحك بقدراتك لا يعني أن تُقلِّص أحلامك، أو تتنازل عن رغبتك في التميز؛ بل هو نوعٌ من الاتزان العقلي والنفسي، فالذي يطمح دون وعيٍ بقدراته، قد يسقط سريعًا عند أول عثرة، بينما من يخطو بخطواتٍ مدروسة، حتى لو كانت بطيئة، فإنه يبني طريقًا لا ينهار بسهولة.
نعم، سقف الطموح يمكن أن يكون عاليًا؛ بل ويُمكن أن يصعد فوق الغيوم، لكن عليك أن تعرف الطريق الذي سيوصلك إليه، ليس عيبًا أن تُقلل من حجم الحلم قليلًا مؤقتًا، إذا كان ذلك سيمنحك الفرصة لتقوية جناحيك كي تطير لاحقًا بحرية كاملة.
وفي حياة الناجحين – أولئك الذين سطروا أسماءهم على جدران المجد – سنجد أنهم لم يكونوا دائمًا عباقرة خارقين، أو أصحاب حظوظٍ ذهبية؛ بل كانوا في الغالب أناسًا عاديين جدًا، لكنهم امتلكوا خاصية نادرة: “المثابرة حتى النهاية، واليقين في إمكانية الوصول”.
فالهزّات العارضة جزءٌ من الطريق، لا أحد يسير في طريق الحياة دون أن يتعثر، لكن من يُكمل المشي بعد السقوط هو فقط من يستحق النهاية. أحيانًا، تلك العثرات التي نظنها النهاية، تكون في الحقيقة بداية لنضوجٍ داخليٍ يُعيد تشكيلنا من جديدٍ.
ولذلك، عندما تصادفك عثرة، لا تتوقف، لا تلعن الحظ، ولا تقطع حبل الرجاء، إن أقسى ما يُمكن أن يفعله الإنسان بنفسه، هو أن يُقنعها بالعجز، لا بسبب عجزٍ حقيقيٍ؛ بل بسبب هزيمة نفسية عابرة، فالطموح الحقيقي ليس أن تصل فقط؛ بل أن تواصل المحاولة، حتى وإن تكسرت أجنحتك مرارًا.
ومعظم الذين نجحوا، لم يلتزموا بالطريق السائد؛ بل اختاروا دروبًا وعرة، لا يراها إلا من يملك قلب المغامر، ربما قفزوا من نوافذٍ لم تُفتح لغيرهم، وربما طرقوا أبوابًا لم يجرؤ أحد أن يطرقها، وربما ساروا عكس التيار، في وقت كان فيه السير عكسه يُعد جنونًا، لكن النتيجة كانت أنهم سبقوا غيرهم بخطوة، ثم خطواتٍ.
والهدف من هذه الخلاصة ليس فقط تحفيزك على الحلم؛ بل على وعي الحلم، أن تحلم بعقلٍ، وتطمح ببصيرة، وتخطو بحكمة، وتُدرك أنّ الطموح لا قيمة له دون أن يكون مربوطًا بالإرادة، والقدرة، والسعي الواقعي، فكم من الناس قضى عمره يحلم دون أن يتحرك، وكم من آخر حقق نصف ما حلم به، لكنه عاش سعيدًا، لأنه كان صادقًا مع نفسه.
وأن تعرف أن المقياس الحقيقي للطموح ليس أن يكون كبيرًا؛ بل أن يكون نابعًا من داخلك ومُناسبًا لك، دون تقليدٍ أو مزايدة، فلا تُنافس غيرك في أحلامهم؛ بل نافس نفسك في أن تُحقق ما تقدر عليه، ثم تتجاوزه شيئًا فشيئًا.
ولا تجعل الطموح سكينًا على رقبتك؛ بل اجعله عصًا تستند عليها في الطريق، ولا تحزن إذا سقطت، ولا تفقد الأمل إن تأخرت، فالسفن لا تصل دائمًا بسرعة، لكنها تصل في النهاية إن كانت الرياح مواتية، والصبر حاضرًا، فلتكن كالعصفور الذي يُجرب الطيران كل يومٍ، حتى وإن سقط مرة واثنين، يكفيه أنه حاول، وأن جناحيه أصبحا أقوى مع كل محاولة.
وفي نهاية الأمر، اعلم أن كل ناجحٍ كنت تراه بعيدًا عنك، كان في يوم ما يجلس على سريره مثلك، يُقلب كفيه حائرًا، ويبحث عن أملٍ صغيرٍ، لكن الفرق أنه لم يقطع حبل الرجاء.