# Tags
#مقالات رأى

صحافة وسائل التواصل الاجتماعى

بقلم : د. محمد شومان

هل يمكن تقديم صحافة مهنية وأخلاقية عبر التيك توك وإكس وفيسبوك ؟

أثرت وسائل التواصل الاجتماعى على صناعة الصحافة والتليفزيون حيث ظهرت صحافة التيك توك، وصحافة فيسبوك وصحافة انستجرام وصحافة إكس وصحافة لينكد إن وغيرها.. مما يعرف بصحافة السوشيال ميديا، والتى تتسع لتشمل كل أنواع الصحافة والتليفزيون والمحتوى الرقمى الذى يبث عبر الإنترنت.

وفرت هذه الصحافة لمؤسسات الصحافة والتليفزيون فرصًا سهلة ورخيصة للانتشار الواسع والسريع بين ملايين المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعى عبر العالم، كما عظمت ولأول مرة من دور الجمهور فى إنتاج المحتوى، ومن دور الصحفيين المستقلين القادرين على تقديم تغطيات إخبارية بعيدة عن القيود التى تفرضها المؤسسات الإعلامية الكبرى، وبعض هؤلاء الصحفيين قدموا تجارب ونماذج عمل ناجحة اعتمدت على تمويل مناسب من القراء ومنظمات المجتمع المدنى.

لكن فى المقابل تهدد صحافة السوشيال ميديا الصحافة كمعنى وقيمة ومهنة ورسالة، فقد خلقت مشكلات وتحديات كثيرة لعل أهمها السطحية والخفة والسيولة، وعدم الدقة، وانتشار الأخبار المضللة والفيديوهات المفبركة، وتراجع الحدود الفاصلة بين الصحافة المهنية، وصحافة المواطن والتى يقوم فيها بعض الأفراد بنشر أخبار ومقاطع فيديو قد لا تكون صحيحة ومع ذلك تحقق انتشارًا وتتصدر المشاهدات (تريند).

من هنا فإن السؤال الذى شغل الباحثين والصحفيين ومايزال، هو كيف يمكن للمؤسسات الإعلامية تقديم محتوى مهنى جيد عبر السوشيال ميديا؟ إذ أن للصحافة والتليفزيون منطقًا ونظم عمل مختلفة عن منطق ونظم عمل السوشيال ميديا، وكما نعرف فإن لكل وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعى طبيعتها، وجمهورها وخوارزمياتها الخاصة بها، من هنا يسعى الصحفيون إلى تكييف لغتهم وبنية الجملة وتصميم المحتوى مع أسلوب الاتصال على منصة معينة من منصات التواصل الاجتماعى، وعلى سبيل المثال فإن صحافة التيك توك، أى المحتوى الذى تبثه مؤسسات إعلامية راسخة (مثل البى بى سى والنيويورك تايمز وسى إن إن) عبر التيك توك لابد أن يراعى صغر سن مستخدمى التيك توك، واعتماد المنصة غالبًا على المحتوى المرئى القصير-من 15 إلى 60 ثانية-الواضح والسريع، والذى يمزج بين المتعة والتسلية ونشر الأخبار، مع إتاحة الفرصة لتفاعل الجمهور، ومثل هذه الاعتبارات قد تعتبر قيودًا مفروضة على الصحفى أو منتج المحتوى فى المؤسسات الإعلامية، تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر فى اختياراته وقواعد العمل والنشر.

تفرض هذه التحديات نفسها أيضًا عندما يقدم الصحفى محتوى للنشر عبر منصة إكس (تويتر سابقًا)، الذى يعتمد بشكل أساسى على التغريدات القصيرة والأخبار العاجلة، من هنا يستخدمه الصحفيون لنشر الأخبار السريعة والتحديثات والتفاعل الفورى مع الجمهور، كما يستخدمون ميزة الهاشتاجات لزيادة الوصول والتفاعل مع الأخبار. وعندما تحتاج المؤسسات الإعلامية إلى نشر تقارير وقصص مطولة فأنها تستخدم الفيسبوك الذى يسمح بذلك لأن جمهوره يجمع فئات عمرية متنوعة من الشباب إلى الشيوخ. بينما تركز صحافة لينكد إن على الجمهور المهنى والمتخصصين وصناع القرار فى مجالات معينة، وتستخدمه المؤسسات الإعلامية فى نشر محتوى طويل ومتخصص.

وفى مصر استخدمت أغلب الصحف وبعض قنوات التليفزيون منصات وسائل التواصل الاجتماعى وحققت ملايين المتابعين لها، لكنها واجهت تحديات كيفية ضمان الدقة المهنية فى ظل ضغوط السرعة والاختصار وتحقيق الجاذبية والتسلية، علاوة على كيفية التعامل مع طبيعة كل منصة ونظم عملها وسمات جمهورها.

وتلعب طلبات الجمهور وتفاعلاته أحيانًا، دورًا كبيرًا فى تحديد طبيعة التغطيات الإخبارية ومدى عمقها فى صحافة السوشيال ميديا، مما قد يعنى خضوع التغطيات الإعلامية لرغبات الجمهور، وبالتالى المساس بدقة ونزاهة هذه التغطيات، لكن قد يرى البعض أن استجابة المؤسسات الإعلامية لرغبات الجمهور هو تطبيق لديمقراطية الصحافة والإعلام، حيث تعكس الصحافة آراء ورغبات الجمهور، وتتخلى عن دورها التعليمى، كناصح أمين أو داعية أو مدرس يعلم الجمهور. أعتقد أن هذه إشكالية كبيرة بالنظر إلى أن قطاعات واسعة من الجمهور قد تحركها العواطف والمشاعر أكثر من الحقائق ونتائج التفكير المنطقى. من جهة أخرى فإن عدم تلبية المؤسسات الإعلامية لمتطلبات الجمهور سيدفعه إلى الابتعاد عنها ومتابعة المحتوى الذى يقدمه الصحفيون المستقلون أو أى محتوى آخر ينتجها مواطنون على منصات وسائل التواصل بغض النظر عن سطحيته أو عدم دقته.

نقلا عن أخبار اليوم

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *