طلعت حرب “راجع”

د. رامي عطا صديق
خبر مُهم نشرته الصحف وبعض وسائل الإعلام مؤخرًا، يتعلق بعودة التليفزيون المصري للإنتاج الدرامي بعد توقف دام عشر سنوات، حيث قامت الهيئة الوطنية للإعلام، مُمثلة في رئيسها الكاتب الصحفي والإعلامي أحمد المسلماني، بتكليف الكاتب الكبير محمد السيد عيد بتأليف مسلسل تليفزيوني عن رائد الاقتصاد المصري طلعت حرب، ليتم تقديمه في رمضان المُقبل (2026م)، بشكل يُناسب مكانته الاقتصادية وقيمته التاريخية.
وفي تقديري فإن ما يُكسب الإعلان عن هذا المشروع أهميته هو أنه جاء بعد أيام من حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن أهمية الدراما وضرورة مناقشتها لقضايا تُعزز القيم الاجتماعية وترسخ المبادئ الإنسانية، وتُسهم بنصيبها في بناء الإنسان/ المواطن، بما لا يُمثل قيدًا على صناعة الدراما، وإنما في إطار من تحقيق التوازن بين الإبداع الفني من جهة والمسؤولية الاجتماعية من جهة أخرى.
أما عن الاقتصادي الكبير طلعت حرب، فإنني كثيرًا ما أتوقف أمام سيرته الغنية ومسيرته المتميزة، التي جعلته يستحق أن يفوز بألقاب من نوع “أبو الاقتصاد المصري” و”مؤسس الاقتصاد المصري الحديث”، ولن أكون مُبالغًا إذا قلت إنني وكثيرون نتمنى أن يظهر بيننا في الوقت الراهن طلعت حرب واثنين وثلاثة وعشرة، من أجل أن ينطلق الاقتصاد المصري بخطوات سريعة نحو حال أفضل، فهو نموذج مُلهم وقدوة صالحة للمواطنين بشكل عام، والشباب منهم بوجه خاص، وهنا تأتي أهمية استدعاء الرمز الاقتصادي والاستفادة من الشخصيات التاريخية، والأحداث والمواقف الماضية، ونحن نعيش الحاضر ونتطلع إلى المستقبل.
كان “محمد طلعت حسن محمد حرب” قد وُلد في 25 نوفمبر 1867م، بقصر الشوق في حي الجمالية بالقاهرة، وإن اشتهر باسم طلعت حرب. أنهى تعليمه الثانوي بمدرسة التوفيقية بالقاهرة، ثم التحق في أغسطس 1885م بمدرسة الحقوق والإدارة التي أنشأها الخديو إسماعيل، وتخرج فيها عام 1889م.
عمل مُترجمًا بالقسم القضائي “بالدائرة السنية”، وهي الجهة التي كانت تدير الأملاك الخديوية الخاصة، وبعد فترة خلف محمد فريد في إدارة أقلام القضايا بالدائرة، ثم انتقل مديرًا للمركز الرئيس بالقاهرة لشركة وادي كوم أمبو. وفي منتصف عام 1905م، عُين مديرًا لشركة العقارات المصرية وأيضًا لشركة كوم أمبو، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يتولى فيها مصري منصبًا على هذه الدرجة من الأهمية في شركات يملكها ويديرها ويسيطر عليها الأجانب.
إنجازات كثيرة حققها الاقتصادي الكبير طلعت حرب، خاصة وأنه آمن بضرورة تأسيس اقتصاد مصري قوي، حيث ركز في مجالات الاقتصاد المختلفة، ولم يهتم بالعمل السياسي، ولم ينضم لأي من الأحزاب السياسية التي كانت موجودة آنذاك، مؤمنًا بضرورة التخلص من التبعية الاقتصادية، وأن الاستقلال الاقتصادي لا يقل أهمية عن الاستقلال السياسي.
ومن ذلك أنه في عام 1908م قرر إنشاء شركة مالية أسماها “شركة التعاون المالي”، كانت تقوم بالأعمال المصرفية الصغيرة التي تتناسب مع مقدرتها المالية. وفي عام 1920م قام بتأسيس بنك مصر، برؤوس أموال مصرية، بلغت 180 ألف جنيه، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف أخذ يطوف المدن والقرى والنجوع داعيًا لإنشاء البنك، حيث آمن بأهمية الادخار الوطني، وتوجيه المدخرات الوطنية نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فالتف حوله كثيرون ممن آمنوا بدعوته ورسالته.
فمن بعد بنك مصر أسس مجموعة من الشركات، منها “مطبعة مصر” برأسمال قدره خمسة آلاف جنيه، وشركة “مصر للغزل والنسيج” في أغسطس 1927م بالمحلة الكبرى وقد بدأت برأسمال قدره 300 ألف جنيه، ثم قرر أن يمد نشاطها خارج العاصمة، وأيضًا في البلاد العربية، وأسس شركة بيع المصنوعات المصرية عام 1932م، وأستوديو مصر للإنتاج السينمائي عام 1935م. وهكذا يُحسب له أنه نقل مصر، خلال عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، من الاقتصاد الفردي إلى الاقتصاد الذي تديره الشركات المساهمة.
وقد رحب في مشروعاته الاقتصادية الوطنية بعمل المرأة، منذ عشرينيات القرن العشرين وما بعدها. من مؤلفاته كتاب “تاريخ دول العرب والإسلام”، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1897م، وصدرت طبعته الثانية عام 1905م. وله آثار صحفية وأدبية بارزة، قد نتفق معه فيها وقد نختلف. وفي يوم 21 أغسطس 1941م توفي طلعت حرب عن عمر يناهز “74” عامًا.
إنني أنتظر بكثير من الاشتياق مسلسل طلعت حرب، حيث أثق كثيرًا في مهارة وحرفية الأستاذ محمد السيد عيد، وفريق العمل، وأنه سوف يُقدم عملًا دراميًا مُتميزًا يستعيد به سيرة الاقتصادي العظيم طلعت حرب، ويقدمه لجيل جديد من الشباب ورجال الأعمال وسيداته، حيث تدل على ذلك أعمال أدبية وفنية رائعة ومتميزة قدمها من قبل.