كتب:عبدالرحمن إبراهيم

في قلب وسط اليونان، تقف تشكيلات ميتيورا الصخرية كأحد أروع الإبداعات الطبيعية في العالم، حيث ترتفع أعمدة ضخمة من الحجر الرملي نحو السماء، حاملة فوق قممها أديرةً تاريخية تُعد من أكثر معالم الرهبنة المسيحية عزلة وغموضًا. ويبرز بينها دير روسانو الذي يستقطب آلاف الزوار سنويًا بفضل تاريخه العريق وإطلالاته الآسرة.

بدأ تاريخ ميتيورا في القرن التاسع الميلادي عندما لجأ الرهبان النساك إلى هذه الأبراج الصخرية بحثًا عن الانعزال والتأمل بعيدًا عن ضوضاء المدن. وبحسب الروايات التاريخية، كان الرهبان يتسلقون الصخور شديدة الانحدار مستخدمين الحبال والسلال للوصول إلى ملاذاتهم العلوية.

ومع تزايد أعدادهم عبر العقود، شرعوا في إنشاء أديرة فوق تلك القمم. وكان من أبرزها دير روسانو، الذي تم بناؤه فوق قمة صخرية يصعب الوصول إليها، ما جعل جدران الجرف تحمي سكانه من الزوار والمتطفلين، وتوفر لهم حياة روحية هادئة تقوم على الزهد والتأمل.

شهد القرن الرابع عشر ازدهارًا كبيرًا في بناء الأديرة بميتيورا، حيث شُيد أكثر من 20 ديرًا في تلك المنطقة. إلا أن معظمها تحول عبر الزمن إلى أطلال تقف كشواهد على الماضي. واليوم، لا يزال ستة أديرة فقط مفتوحة أمام الزوار، أربعة منها للرجال واثنان للراهبات.

ويُعد دير روسانو واحدًا من أهم الأديرة التي ما زالت تحتفظ بكثير من رونقها وطابعها الروحي، إذ تستقبل فيه الراهبات الزائرين وتعرّفهم بتاريخ المكان وتراثه.

وبخلاف القرون الماضية، لم يعد الوصول إلى دير روسانو حكرًا على الرهبان أو المُتسلّقين المحترفين، إذ أنشئت شبكة من الطرق والجسور الحديثة التي تربط الأديرة ببعضها وتُسهِم في تسهيل حركة السياح. وبات بإمكان الزائرين السير وسط المناظر الطبيعية الخلابة، ومشاهدة الأديرة المُعلقة التي تبدو وكأنها جزء من السماء.

تُعد ميتيورا اليوم أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، وتُصنف كأبرز الوجهات السياحية في اليونان بعد جزرها الشهيرة. ويستمتع السياح في دير روسانو بمزيج فريد من التاريخ والروحانية والطبيعة، إضافة إلى مناظر بانورامية لا تتكرر إلا في القليل من بقاع العالم.

ومع استمرار الحفاظ على الأديرة وترميمها، يظل دير روسانو ومعه ميتيورا بأكملها رمزًا لعظمة الإنسان حين يلتقي بالإبداع الطبيعي، وحكاية ممتدة عبر قرون من الإيمان والعزلة والجمال الخالص.