# Tags
#تحقيقات وحوارات

زواج القاصرات.. بين الفقر والموروث الثقافي وضرورة الوعي المجتمعي

كتبت- نبيلة روماني

 

تُعدّ ظاهرة زواج القاصرات من أكثر القضايا الاجتماعية تعقيدًا في المجتمع المصري، إذ تتداخل فيها الجوانب الاقتصادية والثقافية والقانونية لتشكّل خطرًا مباشرًا على الفتيات الصغيرات، وتهدد استقرار الأسرة والمجتمع، وكشف كلًا من الدكتور محمد سيد احمد والدكتورة سامية قدري، أستاذَي علم الاجتماع، عن أبعاد الظاهرة وأسبابها وسبل مواجهتها، مؤكدَين أن الفقر وضعف التعليم ما زالا يمثلان الوقود الأساسي لاستمرارها.

زواج القاصرات مشكلة صحية ومخالف للقانون

قال الدكتور محمد سيد احمد، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس، إن زواج القاصرات يُقصد به الزواج الذي يتم قبل بلوغ الفتاة عمر الثامنة عشر، وهو العمر الذي استقر عليه القانون المصري باعتباره العمر الصالح للزواج، حيث تكون الفتاة قد اكتمل نضجها الجسدي، والنفسي وأصبحت مؤهلة لتحمّل مسؤوليات الحياة الزوجية، مؤكدًا على أن أي زواج يتم قبل هذا العمر يُعد مخالفة صريحة للقانون.

وأشار إلى أن العادات والتقاليد والأعراف هي الأسباب الرئيسية لاستمرار الظاهرة، موضحًا أن المجتمع المصري بطبيعته مجتمع تقليدي، وكان في فترة من الفترات مجتمعًا زراعيًا، وفي البيئة الريفية تقل معدلات التعليم، خاصة بين الفتيات، وتنتشر ظاهرة التسرب من التعليم، وعدم الاهتمام بتعليم الإناث، مما يجعل الفتاة تمكث في المنزل، وبالتالي عند تقدم أي شخص للزواج منها توافق الأسرة على الفور باعتباره “سترًا للبنت”.

وأوضح أن بعض الأسر تتحايل على القانون بطرق مختلفة من خلال إتمام الزواج عرفيًا دون توثيقه رسميًا، مما يؤدي إلى مشكلات جسيمة، أبرزها صعوبة إثبات النسب وحرمان الأطفال من حقوقهم القانونية، وأضاف أن الظاهرة لم تقتصر على زواج المصريين فقط، بل شهدت بعض القرى الريفية انتشار زواج الفتيات من رجال عرب، خصوصًا من دول الخليج، وهو ما ترتب عليه مشكلات اجتماعية وإنسانية كبيرة، حتى في الحالات التي كان الزواج يتم فيها على يد مأذون دون تسجيل رسمي.

وأكد الدكتور محمد سيد على أن زواج القاصرات ينتج عنه مشكلات صحية ونفسية كبيرة، خاصةً في بداية الزواج ومع الحمل والولادة في سن صغيرة، حيث تتعرض الفتاة لأضرار جسدية ونفسية، كما تواجه صعوبة في تربية الأطفال ورعايتهم، مما يؤدي إلى أزمات أسرية واجتماعية متكررة.

وأوضح الدكتور أن الموروث الثقافي في بعض المناطق الريفية ما زال يرى أن “الزواج سترة”، وأن “البنت لا مكان لها إلا بيت زوجها”، وهي مفاهيم تقليدية متوارثة لا تزال راسخة في بعض العقول، رغم ارتفاع معدلات التعليم في الريف مؤخرًا.

وعن تأثير الظاهرة على الأسرة والمجتمع، أوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي أن الفتاة القاصر لا تزال طفلة من الناحية القانونية والاجتماعية، وبالتالي فهي غير قادرة على تحمل مسؤوليات الزواج والأسرة، فتجد نفسها أمام مسؤوليات تفوق طاقتها، مما يسبب لها ضغوطًا نفسية، وصدمات تؤثر على قدرتها في رعاية الأبناء، وهو ما ينعكس سلبًا على المجتمع بأكمله.

وأشار «سيد» إلى أن بعض هذه الزيجات قد تؤدي إلى كوارث اجتماعية، مثل اختفاء الأزواج، خصوصًا في حالات الزواج من أجانب، أو هروب الزوج من مسؤوليات الأسرة، دون توثيق أو دعم، مما يترك آثارًا سلبية على الأسرة والمجتمع.

وحول كفاية القوانين المصرية في مواجهة الظاهرة، أكد على أن القوانين وحدها لا تكفي، حيث القانون يفرض نوعًا من الضبط الاجتماعي، لكنه لا يغيّر الثقافة. وأوضح أن المجتمعات الريفية ما زالت تحكمها الأعراف أكثر من القوانين، مما يجعل تطبيق التشريعات أمرًا معقدًا.

وشدد الدكتور محمد سيد على أن التغيير الثقافي والتوعوي هو الأداة الأهم في مواجهة الظاهرة، مشيرًا إلى الدور الذي تلعبه مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمجالس القومية والإعلام في رفع الوعي بخطورة هذه القضية، وهو ما أدى إلى تراجع معدلاتها في السنوات الأخيرة.

وأوضح أن زواج القاصرات لا يقتصر على الريف، بل يوجد أيضًا في بعض المناطق الشعبية والعشوائية بالمدن نتيجة ما يُعرف بـ”تريف المدينة”، أي انتقال الثقافة الريفية إلى الحضر بسبب الهجرة، مشيرًا إلى أن الأسر الريفية التي انتقلت إلى المدن ما زالت تحتفظ بنفس أنماط التفكير والسلوك.

 واختتم الدكتور محمد سيد حديثه قائلًا: “ابحث عن مستقبل ابنتك في تعليمها، لا في زواجها المبكر، فالأمان الحقيقي ليس في الزواج كما كان يُعتقد قديمًا، بل في أن تتعلم الفتاة وتصبح قادرة على بناء أسرة على أسس سليمة.”

الفقر وقلة الوعي المجتمعي من أسباب زواج القاصرات

من جانبها، قالت الدكتورة سامية قدري أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن ظاهرة زواج القاصرات ليست جديدة على المجتمع المصري، فهي موجودة منذ زمن بعيد، ولكنها لم تكن تُعرف بهذا الاسم، موضحة أن الزواج المبكر كان شائعًا في الريف منذ القدم، وكان يُنظر إليه كقيمة اجتماعية ترتبط بمفاهيم مثل “الستر”، وأن الفتاة كلما تزوجت في سن صغيرة أنجبت مبكرًا وكبر أولادها وهي ما زالت شابة.

وأضافت أن مسمى “زواج القاصرات” بدأ يشيع في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين، عندما تم الكشف عن تلك الظاهرة بشكل واضح في القرى القريبة من المحافظات، خاصة في حالات الزواج بين المصريات والأجانب من العرب وغيرهم.

وأشارت إلى أن الظاهرة انتشرت في بعض القرى والمحافظات، حيث اشتهرت بعض القرى هناك بوجود وسطاء ومكاتب لإجراء عمليات زواج الفتيات الصغيرات من رجال أثرياء أجانب، مؤكدة على أن هذا النوع من الزواج شكّل أحد أشكال الاتجار بالفتيات الصغيرات الفقيرات، إذ كانت بعض الأسر ترى فيه وسيلة للخروج من دائرة الفقر وتحسين أوضاعها المعيشية.

وأكدت الدكتورة سامية قدري على أن أحد الأسباب الرئيسية لانتشار زواج القاصرات هو الفقر، إلى جانب تراجع الوعي المجتمعي، واعتقاد بعض الأسر أن زواج الفتاة من رجل ثري قد يكون وسيلة لتحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي.

وأضافت أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن السينما المصرية تناولت تلك الظاهرة في مرحلة مبكرة، مشيرة إلى فيلم لحم رخيص للمخرجة إيناس الدغيدي، الذي اعتبرته بمثابة جرس إنذار للمجتمع المصري للتنبيه إلى خطورة الظاهرة، وضرورة مواجهتها قانونيًا واجتماعيًا.

وأوضحت الدكتورة سامية أن بعض هذه الزيجات قد تنجح إذا توفرت لها مقومات الاستمرار، لكنها أكدت أن الغالبية العظمى منها تنتهي بالفشل، خاصة في حالات الزواج من أجانب.

كما أشارت «قدري» إلى أن زواج القاصرات لم يختفِ تمامًا من المدن الكبرى، بل بدأ يظهر في الأحياء الفقيرة بنفس الدوافع، وعلى رأسها الفقر والرغبة في تحسين الوضع المادي.

وأكدت على أن الزواج المبكر ما زال يمثل قيمة لدى الأسر الريفية أكثر من الحضرية، مشيرة إلى أنه كلما ارتفع مستوى تعليم الأسرة زاد وعيها بأهمية استكمال الفتاة لتعليمها حتى تحصل على عمل وتصبح قادرة على اختيار شريك حياتها بوعي ونضج.

وأضافت الدكتورة أن الوعي المجتمعي بدأ يتزايد تدريجيًا بأهمية عدم تزويج الفتيات في سن صغيرة، خاصة بعد التشديدات القانونية التي فرضت على المأذونين عدم توثيق عقود زواج الفتيات دون السن القانوني.

وفي ختام حديثها، شددت الدكتورة سامية قدري على أهمية دور المؤسسات المختلفة في التوعية بمخاطر زواج القاصرات، مؤكدة ضرورة تعاون الإعلام، والمدارس، والأسر، والمؤسسات الدينية، والمجتمع المدني في هذا الملف.

واتفق كلًا من الدكتور محمد سيد والدكتورة سامية قدري على أن الوعي الأسري هو الركيزة الأساسية في مواجهة الظاهرة، وأن التعليم هو السلاح الأقوى لحماية الفتيات من الزواج المبكر، مؤكدَين أن الجهود القانونية وحدها لا تكفي ما لم يصاحبها تغيير حقيقي في الفكر والثقافة السائدة.

 

 

 

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *