#تحقيقات وحوارات

البابا كيرلس السادس ..قديس الوحدة الوطنية ..وشهد عهده ظهور السيدة العذراء

كتبت: نبيلة روماني- الفرقة الأولى

يمثل البابا كيرلس السادس- البابا رقم 116 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية -عنصرا ملهما في نسيجنا الوطنى الفريد من نوعه، حيث تتداخل فيه خيوط المحبة والتسامح بين المسلمين والمسيحيين، لتصنع لوحة فنية رائعة تعكس روح الوحدة الوطنية .

و يسطع اسم البابا كيرلس السادس ، كأحد أعظم الشخصيات الروحية والوطنية التي أضاءت سماء الكنيسة والدولة على حد سواء، وُلد في مدينة دمنهور في أسرة متدينة، وانضم إلى دير البراموس حيث تلقى تعليمه الروحي على يد القمص عبد المسيح المسعودي الذي زرع في قلبه محبة الفضيلة والصلاه ، وكان نموذجًا في التقوى والزهد الروحي. بفضل سعيه المتواصل لتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ التعاون بين المسلمين والمسيحيين.

كان البابا كيرلس السادس شخصية فريدة جمعت بين الزهد الروحي والحكمة السياسية، وتمكن من بناء جسور محبة وتعاون بين المصريين بمختلف أديانهم.

أصبح البابا كيرلس رمزًا للسلام والمحبة. فلم تقتصر محبته على أبناء كنيسته فقط، بل شملت جميع المصريين. كما جعلت العلاقة الوثيقة التي بناها مع الرئيس جمال عبد الناصر، وتقدير المسلمين الكبير له،البابا كيرلس رمزًا للمحبة والاحترام المتبادل في قلب مصر، مما جعل حضوره محط إعجاب الجميع، مسلمين ومسيحيين.

كانت حياة البابا كيرلس مكرسة لخدمة الكنيسة والأمة المصرية حيث اهتم بتعليم الناس وتعميق الروح الدينية بينهم، وكان معروفًا بروح التواضع والرحمة وكان يشارك الجميع همومهم، ويعمل على نشر الحب والمساواة بين جميع أبناء الوطن.

وفي عام 1959، انتُخب البابا كيرلس السادس بطريركًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ليصبح البابا رقم 116 حيث لم يكن دوره مقتصرًا على رعاية الكنيسة القبطية، بل أسهم في توطيد علاقات الكنيسة مع المجتمع المصري بأسره. كما عمل على تعزيز الوحدة الوطنية التي تجمع بين المسلمين والمسيحيين، مشيرًا إلى أن الأديان جميعها تهدف إلى نشر المحبة والتسامح.

حرص البابا كيرلس على تعزيز علاقات الكنيسة القبطية مع الكنائس في إفريقيا، أبرزها الكنيسة الحبشية، حيث قام بسيامة بطريرك لأثيوبيا في نفس العام الذي انتُخب فيه بطريركًا. وقد أسس دير مارمينا في مريوط، ليكون نقطة إشعاع روحي للأقباط، وليسهم في نشر رسالة المحبة والتسامح.

كما تم فى عهده إرجاع جسد القديس مار مرقس إلى القاهرة، وهو الحدث الذي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بهوية الكنيسة القبطية ووضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقسية في الأنبا رويس بالقاهرة. وكذلك أطلق خدمة الكنائس في المهجر في أماكن مثل أمريكا وكندا وأستراليا.

وتم في عهده في 1968، ظهور السيدة العذراء مريم في منطقة الزيتون بالقاهرة، وهو الحدث الذي ترك بصمة كبيرة في قلب كل المصريين، مسلمين وأقباطًا، حيث أصبح هذا الظهور رمزًا للوحدة الروحية والوطنية.

وتميزت علاقة البابا كيرلس السادس والرئيس جمال عبد الناصر بأنها كانت أساسًا من التعاون والمودة، وتجسدت في مواقف كثيرة ولم يكن هناك أي تفرقة بين بابا الكنيسة القبطية والرئيس الراحل، بل كان هناك احترام وتقدير متبادل بينهما.

وفي عام 1965، قرر البابا كيرلس بناء كاتدرائية جديدة في الأنبا رويس بالعباسية. وعلى الرغم من التحديات المالية التي كانت تواجه  الكنيسة ، فقد قدم الرئيس عبد الناصر دعمًا غير محدود لهذا المشروع، حيث ساهمت الدولة بمبلغ نصف مليون جنيه لبناء الكاتدرائية و تم وضع حجر الأساس لبناء الكاتدرائية فى 24 يوليو 1965 بحضور الرئيس عبدالناصر والبابا كيرلس السادس.

وفي وقت الأزمات، كانت العلاقة بين البابا كيرلس السادس والرئيس عبد الناصر مصدر قوة للمجتمع المصري. في أعقاب نكسة 1967، عندما أعلن عبد الناصر عن قراره بالتنحي، كان البابا كيرلس أول من دَعم الرئيس في محنة القرار، وقال له “الشعب بيأمرك أنك ما تتنازلش”، وهو ما عزز قوة وحدة الوطن وأظهر روح المحبة التي تجمع بين المصريين من جميع الأديان.

وفي حفل افتتاح الكاتدرائية المرقسية الجديدة في 1968، حضر الرئيس عبد الناصر والبابا كيرلس، وكان الحدث علامة فارقة في تاريخ التعاون بين الكنيسة والدولة، وهو ما يعكس العلاقة الطيبة بين الجانبين، إضافة إلى حضور رجال الدين والسياسيين من مختلف الأديان والمذاهب، مما يعكس الوحدة الوطنية بين المصريين.

ولم تقتصر محبة البابا كيرلس على الأقباط فحسب، بل كان يحظى بتقدير بالغ من قبل المسلمين أيضًا. كانت شخصيته المتواضعة، وإيمانه العميق بالله، وجهوده لبناء وطن موحد جعلت منه شخصية محبوبة لدى المسلمين. كثيرًا ما كان المسلمون يعبّرون عن حبهم واحترامهم للبابا كيرلس، ويعتبرونه رمزًا للوحدة الوطنية والروح المصرية الأصيلة. كان دائمًا ما يردد أن “مصر وطن واحد”، وهذه الرسالة البسيطة كانت محط تقدير وحب من الجميع، مسلمين ومسيحيين.

وكان البابا كيرلس السادس يردد دائمًا مقولة مطمئنة لجماهيره، قائلاً: “كن مطمئنًا جدًا جدًا، ولا تفكر في الأمر كثيرًا، بل دع الأمر لمن بيده الأمر.” هذه المقولة كانت تعكس إيمانه العميق بربنا وحكمته، وطمأنت الجميع بأن الأمور في يد ربنا.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *