مشروعات التخرج..عندما يتحول الحلم إلى رسالة وطن

أ.د. سهير صالح
عميدة المعهد الدولي للإعلام بأكاديمية الشروق
عندما يخطو طلاب الإعلام خطواتهم الأخيرة نحو التخرج، لا يحملون فقط آمالهم الشخصية، بل يحملون حلم وطن، وتاريخ مؤسسة علمية تؤمن بأن الإعلام ليس مجرد مهنة، بل رسالة، في تلك اللحظة الفارقة من كل عام، يتحول مشروع التخرج من مجرد متطلب أكاديمي إلى لوحة وطنية، يرسمها شباب بعقول واعية وقلوب محبة، تحمل همّ الإنسان المصري، وتحاكي أولويات الدولة، وتبني مستقبلًا نطمح إليه جميعًا.
ومن موقعي كعميدة للمعهد الدولي العالي للإعلام بأكاديمية الشروق، أتابع عن قرب هذا التحول الرائع الذي يحدث كل عام، حينما يقرر طلابنا أن تكون مشروعاتهم انعكاسًا لقضايا مجتمعهم، لا انعزالًا عنها؛ أن تكون لسان حال الوطن، لا مجرد تجربة نظرية.
الإعلام في خدمة التنمية.. خيار لا بديل عنه: في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتغير فيه وسائل التواصل، يزداد احتياجنا إلى إعلام تنموي واعٍ، يتبنى قضايا الدولة، وينقل صوت المواطن بصدق، ويشارك في البناء لا في الهدم. ولهذا، لم تكن توجيهاتي للطلاب هذا العام تقليدية، بل كانت واضحة: “اصنعوا إعلامًا يعكس قضايا التنمية، ويساند الصناعة الوطنية، ويعبر عن مصر الجديدة التي نحلم بها”.
استجاب طلابنا لهذا النداء، وقدموا مشروعات تمس قضايا حيوية: من تمكين المرأة، إلى دعم ذوي الهمم، ومن حماية البيئة إلى تسليط الضوء على جهود الدولة في تطوير الصناعة والزراعة والتعليم، مرورًا بالحملات التوعوية حول السلوك الإيجابي، وصحة الأسرة، والانتماء الوطني.
ما يميز مشروعات هذا العام أنها خرجت من الإطار التقليدي، وانطلقت نحو أهداف أكبر، هناك من أنتج فيلمًا وثائقيًا عن الصناعات الحرفية في مصر، وآخر عن مبادرات الدولة لدعم الصناعات الصغيرة، طلاب اختاروا أن يكون موضوعهم عن جهود الدولة في التحول الرقمي داخل القرى المصرية، وفريق آخر اختار حملة توعوية عن أهمية المنتج المحلي، وثقته في الشارع المصري.
كل مشروع من هذه المشروعات، هو شهادة حقيقية على أن الجيل الجديد من الإعلاميين يعرف ما يجب أن يقال، وأين يجب أن يُقال، ولمن يُقال. وهو ما يجعلنا نطمئن أن الرسالة الإعلامية في مصر تسير على الطريق الصحيح.
شباب واعد.. وإعلام يصنع التأثير: لم يعد الإعلام وظيفة نمطية، بل أصبح قوة ناعمة تصنع الوعي وتوجه السلوك وتخلق رأيًا عامًا، ولهذا نحرص دائمًا على أن يتقن طلابنا أدوات العصر– من منصات التواصل إلى أساليب القص الرقمي وصناعة المحتوى القصير– مع الحفاظ على المضمون الجاد والرؤية الوطنية.
ونشجعهم على صناعة محتوى يخاطب الناس بلغتهم، ويُبسط المعلومة، ويجعل من الإعلام أداة تغيير حقيقية، فما أجمل أن ترى طالبًا جامعيًا يُعد حملة توعوية ضد التنمر بين الأطفال، أو يصور فيلمًا يحكي قصة مصنع نجا من الإغلاق وأعاد الحياة لعشرات الأسر!
مشروعاتنا تجسيد لرؤية مصر 2030: رؤية الدولة المصرية واضحة في أهدافها: بناء الإنسان، وتمكين الشباب، وتنمية الوعي، وتحقيق التنمية الشاملة.
نحن في أكاديمية الشروق نترجم هذه الرؤية إلى واقع، حين نُعد طلابنا ليكونوا إعلاميين لا يبحثون عن ضوء الشهرة، بل يسعون لصناعة أثر؛ إعلاميين لا يركضون خلف الإثارة، بل يعملون على رفع الوعي، ومشروعات التخرج هي الميدان الأول الذي تُختبر فيه هذه القيم.
تحية لكل حلم صار مشروعًا: لكل طالب وطالبة جلسوا شهورًا يبحثون ويخططون ويصورون ويعدّون، تحية تقدير واحترام، أنتم واجهة أكاديمية الشروق، وأنتم سفراء الإعلام الإيجابي، مشروعاتكم ليست فقط لعرضها في لجنة التحكيم، بل هي رسالة من جيل جديد يقول للوطن: “نحن جاهزون لنكمل المسيرة”.
ربما لا ندرك جميعًا أن مشروع تخرج واحد قد يُغير تفكير شخص، أو يُلهم مسؤولًا، أو يُنقذ حياة، أو يُحيي صناعة، أو يُعيد الثقة، هذه هي قوة الإعلام، وهذه هي مهمتنا في المعهد: أن نُطلق العنان لعقول تؤمن بقوة الكلمة، وقدرة الصورة، وصدق الرسالة.
في كل مشروع تخرج، نحتفل ليس فقط بنهاية مرحلة، بل ببداية مشوار طويل نحو إعلام مهني، مسؤول، وإنساني، إعلام يليق بمصر.