#مقالات رأى

“كوكب الشرق” التي لا تغيب عن الذاكرة

 

بقلم : د. نسرين عبد العزيز

أعطت كوكب الشرق أم كلثوم للغناء قيمة ومعنى مختلفا على مدى العصور، فعند سماع اسم أم كلثوم نستدعي معه النوستالجيا والحنين إلى الماضى، الحنين إلى الصوت الذي هز كل الأوساط فى مصر والوطن العربى، الصوت الذى لم يختلف عليه أحد، والذى اخترق قلوب عاشقيه ومستمعيه، وبألحان أغانيها عزفت على قلوب جمهورها وداعبت آذانه.

موهبة جمعت بين الصوت الإنشادى القوى وبين الصوت الطربي الذي غنى على ألحان كبار الملحنين وكلمات كبار المؤلفين، فنشأتها الدينية حققت لها القدرة على التحكم في مخارج الألفاظ والنطق الصحيح للغة العربية، بالإضافة إلى قربها من والدها الذي أمدها بالكثير من التواشيح وربطها بالحياة الموسيقية منذ الصغر.

ارتبطت العديد من المناسبات بصوتها في يا ليلة العيد آنستينا والتي تعد من الأغاني الرئيسية التي تذاع ويتغنى بها الجمهور عند قدوم العيد وتحمل معها كل معاني البهجة والفرح، وارتبطت الأغاني الوطنية بها أيضا ومنها: مصر التي في خاطري، و«والله زمان يا سلاحي»، ومصر تتحدث عن نفسها، كما ارتبط الحب وأسمى معانى الرومانسية بصوتها في أنا في انتظارك، والأطلال، وألف ليلة وليلة، وأنت عمري، وفكروني، وسيرة الحب، وفات الميعاد، وأروح لمين، وحب إيه.

وبالرغم من أن رصيدها الفني في السينما قليل، فإن الأفلام التي قامت ببطولاتها حققت نجاحًا كبيرًا وتعد من كلاسيكيات السينما المصرية واتسمت جميعها بالطابع الرومانسي الذي دوما ما اشتهرت به، وقد شاركها البطولة آنذاك كبار الفنانين رجالا ونساء، وارتبط بها الجمهور بشكل كبير وبالأغاني التي تغنت بها في مشاهدها، فقد كان فيلم «وداد»، و«نشيد الأمل»، و«دنانير»، و«سلامة»، و«فاطمة»، و«عايدة».

كما ارتبط اسم أم كلثوم بأسماء عدة لكبار الشخصيات الفنية في مصر والتي أثرت فيهم وتأثرت بهم، صنعت نجاحا لهم وصنعوا نجاحا لها، جمعت بينهم علاقات إنسانية جميلة، واستمتعنا بأجمل التعاون الفني بينهم، ومنهم أحمد رامي، وأحمد شوقي، وصلاح جاهين، وأبو العلا محمد، وعبده الحامولي، ومحمد القصبجي، وزكريا أحمد، ورياض السنباطي، ومحمد الموجي، وكمال الطويل، ومحمد عبد الوهاب، وبليغ حمدي.

وكان لكواليس حفل أم كلثوم حكاية أخرى، فكانت حفلاتها الشهرية تقام في أول كل خميس وتذاع على الهواء مباشرة، مما ربط الجمهور في الشرق الأوسط بها إذاعيا بشكل كبير حتى وإن لم يتمكن من الحضور الفعلي، وكان الحضور يتلخص عنوانه فى أناقة ملابسه، فالرجال يرتدون البدل المهندمة والسيدات يرتدين أشهر صيحات الموضة آنذاك، مع الالتزام بالوجود باكرا قبل ميعاد الحفل بشكل كاف في شغف لسماع أم كلثوم ورؤية شموخها على المسرح، ومناداتها بـ «عظمة يا ست»، شخصيات عدة يحضرون الحفل… فهناك كبار الشخصيات من المجتمع المصري والعربي والأجنبي، وهناك من يأتي لها سفرًا من قريته أو بلدته ليحضر الحفل ويمتع أذنه، فهي الملكة التي تمتع جمهورها وتنقلهم في رحلة من الطرب الأصيل وأجواء الرومانسية والشجن.

إنها رمز للثقافة في مصر ناهيك عن دورها السياسي المهم الذي قامت به بعد حرب 67 فقد قامت بجولات غنائية عدة فى العالم العربي وتبرعت بعائد حفلاتها للحكومة المصرية، كما تبرعت بمجوهراتها لدعم البلاد.

أم كلثوم التي استطاعت ربط الحب بالقوة… أم كلثوم صوت مصر ووجهها.. أيقونة مصرية وحدت الوطن العربي… قدمت الغناء والطرب بأناقة ورقي، لم يستطع أحد أن يتوقف عن سماع أغانيها والاستمتاع بها على مر العصور، ولا يوجد مصري أو عربي لم تمر على أذنيه همسات صوتها، وجمال كلمات أغانيها وانسجام ألحانها، القيثارة… ثومة… الست، ألقاب عدة يربطها الانفراد والتميز والإبداع… إنها روح العالم العربي ولا تزال.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *