من المكعبات إلى الروبوتات.. ثورة جديدة في عالم الطفولة
أسبوعين
1 min read
كتب:عبدالرحمن ابراهيم
في الوقت الذي يتطور فيه عالم ألعاب الأطفال بسرعة غير مسبوقة بفضل الذكاء الاصطناعي، لم يعد الأمر مقتصرًا على روبوتات صغيرة تتفاعل مع الطفل أو تطبيقات تعليمية تقدم له معلومات بطريقة ممتعة، بل أصبح المشهد أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح. فبينما يرى الكثيرون أن الذكاء الاصطناعي يفتح للأطفال أبوابًا واسعة للخيال والتعلم والنمو، تظهر في المقابل دراسات وتحقيقات جديدة تشير إلى أن هذا التطور قد يحمل معه جانبًا مظلمًا لا يمكن تجاهله. ففي دراسة حديثة أجرتها منظمة غير ربحية تُعنى بحماية المستهلكين، كُشف عن وجود مشكلات خطيرة في بعض الألعاب التي يُسوِّق لها على أنها مخصصة للأطفال، رغم أنها تعتمد في جوهرها على نماذج ذكاء اصطناعي تم تطويرها أساسًا للبالغين وتفتقر إلى الرقابة اللازمة.
فحص الباحثون أربع ألعاب ذكية موجهة للأطفال الصغار، واكتشفوا أنها قادرة على إنتاج محتوى غير مناسب تمامًا لمرحلة الطفولة، تراوح بين حديث صريح عن موضوعات حساسة وتعليمات حول كيفية العثور على أدوات قد تُعرض الطفل للخطر عند استخدامها بشكل خاطئ. هذا النوع من الانحراف السلوكي الصادر عن ألعاب يُفترض أن تكون آمنة، ويوضح كيف أن دمج نماذج المحادثة التوليدية داخل ألعاب الأطفال دون ضوابط واضحة يمكن أن يجعل الطفل يتفاعل مع نظام غير مدرك لطبيعة عمره ولا لاحتياجاته النفسية. الأخطر من ذلك أن بعض هذه الألعاب تستخدم تسجيل الصوت وتقنيات التعرف على الوجه دون الحصول على موافقة واضحة من الوالدين، ودون وجود سياسات شفافة للبيانات، ما يفتح الباب أمام مخاوف كبيرة تتعلق بخصوصية الأطفال وسلامتهم.
هذا التحذير لا ينفي أن ألعاب الذكاء الاصطناعي قادرة على تقديم الكثير من الفوائد للأطفال، فهي تستطيع التعرف على طريقة اللعب وتحليل سلوك الطفل والتكيف معه في الوقت نفسه، مما يمنح الطفل تجربة تفاعلية غنية. فعندما يتعامل الطفل مع تطبيق، يلاحظ مشاعره أو مستوى تقدمه، فإنه يشعر بأن اللعبة هي صديق حقيقي يمكنه فهمه ومرافقته. الأطفال الذين يستخدمون هذه الألعاب غالبًا ما يصبحون أكثر قدرة على التعبير، وأكثر رغبة في الاستكشاف والتعلم، وأكثر ثقة في مهاراتهم، لأن الألعاب تمنحهم هامشًا واسعًا للتجربة دون خوف من الفشل، وبينما يتحدث البعض عن الجوانب التعليمية والإبداعية لهذه الألعاب، تتزايد الأصوات التي ترى أن هذا النمو التكنولوجي يحتاج إلى إطار صارم من الرقابة والمساءلة، خاصة وأن بعض الألعاب الذكية تجمع بين مخاطر التكنولوجيا الحديثة والمخاطر القديمة التقليدية التي لازالت موجودة مثل المواد السامة في بعض الألعاب، والبطاريات الصغيرة الخطرة، والمغناطيسات التي قد يبتلعها الأطفال.
ومع هذا المزيج بين الجانبين، أصبح وقت اللعب بالنسبة للطفل ساحة متعددة الأبعاد، يتقاطع فيها التعلم والمتعة، ولكن أيضًا مخاطر الخصوصية والصحة النفسية والسلامة البدنية. فعندما يقدم روبوت دردشة للطفل نصائح خاطئة قد تتعلق باستخدام أدوات خطيرة، أو عندما يسجل وجه الطفل وصوته دون طبقات حماية كافية، تتحول اللعبة من وسيلة بريئة للترفيه إلى مصدر تهديد محتمل. ويشير الخبراء إلى أن العديد من شركات الألعاب تستخدم النماذج اللغوية الكبيرة نفسها المستخدمة في روبوتات الدردشة المخصصة للبالغين، وهي نماذج معروفة بقدرتها على إنتاج معلومات غير دقيقة أو محتوى غير متوقع. ورغم محاولات الشركات وضع مرشحات للمحتوى غير المناسب، أثبتت الدراسات أن هذه الفلاتر يمكن تجاوزها بسهولة، خاصة عندما يتفاعل الطفل بطريقة عفوية أو يطرح أسئلة غير محسوبة.
ومع انتشار هذا النوع من الألعاب، أصبح على الآباء والمربين مسؤولية أكبر من أي وقت مضى. لم يعد الخطر محصورًا في الألعاب التقليدية التي قد تتسبب في الاختناق أو التسمم، بل أصبح يشمل ألعابًا قادرة على التحدث مع الطفل وتشجيعه على استمرار اللعب حتى إذا حاول التوقف، أو مناقشته في موضوعات لا تتناسب مع عمره. ولهذا، يحتاج أي شخص يشتري لعبة للطفل إلى الحذر الشديد، والتحقق من سياسات البيانات الخاصة باللعبة، ومعرفة ما إذا كانت تسجل الصوت أو تتعرف على الوجوه، وما إذا كانت توفر إمكانية حذف هذه البيانات أو إيقاف جمعها. كما ينبغي التأكد من أن اللعبة تحتوي على فلاتر فعالة تمنعها من مناقشة موضوعات حساسة، وأنها تسمح للطفل بالتوقف عن اللعب دون ضغط أو إلحاح.
وفي الوقت نفسه، يتفق كثير من المتخصصين على أن ألعاب الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون أداة تعليمية فعالة إذا استُخدمت بالشكل الصحيح. في المدارس، على سبيل المثال، تساعد هذه الألعاب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة على تطوير مهارات التواصل والنطق، لأنها تمنحهم مساحة آمنة للتفاعل دون خوف أو رهبة. كما تساعد الأطفال الذين يعانون من مشاكل في الانتباه على التركيز لفترات أطول، لأنها تعتمد على التفاعل الفوري والمرحلة المناسبة لكل طفل. ومع استمرار التطور التكنولوجي، قد نرى ألعابًا أكثر تقدمًا، تستطيع فهم مشاعر الطفل بشكل أعمق، وتقديم دعم نفسي له، ومساعدته على تخطي الصعوبات اليومية بطريقة ذكية.
ووفقًا لموقع “Digital Trends” يرى الخبراء أن المستقبل يحمل الكثير من الفرص والتحديات في هذا المجال، فمن المتوقع أن تصبح الألعاب أكثر قدرة على التعلم من الطفل وتعديل سلوكها بالكامل بناءً على احتياجاته. لكن هذه القدرة نفسها قد تصبح مشكلة إذا لم تكن هناك قواعد صارمة تنظم كيفية استخدام البيانات ومنع إساءة استغلالها. ومع التقدم الكبير في مجالات مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز، قد يجد الأطفال أنفسهم داخل عوالم رقمية كاملة تتفاعل معهم وتستجيب لهم، وهو ما يرفع سقف المتعة والفائدة، لكنه في الوقت نفسه يفرض مسؤولية مضاعفة على الأسر والمؤسسات التعليمية لضمان أن هذه التجارب آمنة ومناسبة.
وفي ظل هذا المشهد المتداخل، يبقى دور الأسرة والمدرسة محوريًا في توجيه الأطفال نحو الاستخدام السليم للتكنولوجيا، ومساعدتهم على الاستفادة من مزايا الألعاب الذكية دون الوقوع في مخاطرها. فالطفل يحتاج دائمًا إلى توازن بين اللعب الرقمي والتفاعل الإنساني الحقيقي، وبين التكنولوجيا والأنشطة البدنية، وبين التعلم الذكي والتعليم التقليدي. الألعاب الذكية ليست عدوًا وليست بديلاً عن دور الوالدين أو المدرسة، لكنها أداة يمكن أن تكون نافعة أو ضارة بحسب طريقة استخدامها. وإذا استطاعت الأسرة الالتزام بمتابعة الطفل وتحديد الوقت المناسب للّعب واختيار الألعاب الآمنة، فقد تتحول هذه الأدوات الذكية إلى عنصر مهم في بناء جيل أكثر وعيًا وإبداعًا وقدرة على التفكير.