مليون بيت من الشعر..ودخلت قائمة اليونسكو عام 2008.. “الهلالية” ..درة السير الشعبية العربية

كتبت:ملك شوقي
تمثل السيرة الهلالية واحدة من أروع وأهم السير الشعبية العربية ، حيث تعد ملحمة عريقة تروي الشعر والنثر، وتضم نحو مليون بيت شعر.
وفي إطار حرصها على صون التراث المصري وتكريم رموز الثقافة الوطنية، أطلقت وزارة الثقافة، بالتعاون مع وزارة النقل، مبادرة للاحتفاء بالسيرة الهلالية والشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي “الخال”، أحد أبرز رواتها وموثقيها، وذلك تزامنًا مع احتفالات عيد الأضحى المبارك.
تضمنت المبادرة عرض مجموعة مختارة من التسجيلات النادرة للشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي حول السيرة الهلالية، بالإضافة إلى لقطات مصوَّرة من متحفه بقرية أبنود بمحافظة قنا، والتابع لقطاع الفنون التشكيلية، وذلك عبر شاشات العرض في قطارات مترو الأنفاق والقطار الكهربائي السريع. كما تشمل المبادرة بث مختارات من السيرة الهلالية بصوت “الخال” عبر المحطة الإذاعية الداخلية بمترو الأنفاق.
وقد تم تسجيل ملف “السيرة الهلالية”، ضمن قائمة اليونسكو للتراث “غير المادى”، وذلك عام 2008، باعتبارها أشهر السير الشعبية العربية، وهي ملحمة طويلة تصف هجرة بني هلال، وتبلغ نحو مليون بيت شعر وإن أضفى عليها الخيال الشعبي ثوبًا فضفاضًا باعد بين الأحداث وبين واقعها، وبالغ في رسم الشخصيات.
وبدأت السيرة الهلالية من انتقال قبائل بني هلال من نجد (السعودية حاليًا) مرورًا ببلاد الشام، ثم وصولها إلى تونس وشمال إفريقيا خلال القرن الحادي عشر الميلادي.
وتميزت السيرة الهلالية بتناقل الرواة، مما أدى إلى ظهور عدة روايات مختلفة عبر العصور، وتتضمن السيرة أحداثًا متعددة مثل الريادة الصغرى والريادة الكبرى، وديوان الأيتام. وهي مرتبة أدبية تعكس ثقافة وهوية المجتمع العربي في عصرها.
لعبت شخصيات كثيرة دورًا رئيسيًا في حفظ السيرة الهلالية وتوارثها عبر الأجيال، ومن أبرز رواة السيرة: الشيخ عبدالله أبو شادي، وهو أحد أشهر رواة السيرة الهلالية في مصر، وكان يُلقب بشيخ الرواة، وكان يتميز بسرد تفاصيل الملحمة بحيوية، مما كان يساعده على جذب المستمعين.
والشيخ جابر أبو حسين، الذي كان يتميز باستخدام الربابة لإحياء ملحمة بني هلال، وعبدالباسط أبونوح، وشوقي القناوي ، وغيرهم
هؤلاء الرواة لم يكونوا مجرد ناقلين للسيرة، بل أضافوا إليها لمساتهم الخاصة، مما أدى إلى تنوع رواياتها في أنحاء البلاد.
وعندما نتحدث عن السيرة الهلالية، يمر على أذهاننا جميعًا الشاعر الراحل “عبدالرحمن الأبنودي” الملقب بـ”خال الشعراء”. الذي وُلد في 11 أبريل عام 1938 بقرية أبنود بقنا، الذي قام بتجميع روايات السيرة من أفواه الرواة في صعيد مصر، وأعاد صياغتها بلغة شعرية راقية دون أن يفقدها روحها الشعبية الأصيلة.
وقضى أكثر من ثلاثين عامًا يتجول بشكل مستمر من مصر إلى كافة بلاد العرب لكي يجمع السيرة من الرواة.
وكان لديه منهجية قوية في التدوين، حيث أصدر عمله الضخم “السيرة الهلالية” في خمسة مجلدات، التي تُعد من أهم المراجع الموثوقة لهذه الملحمة.
وقام بتسجيل السيرة صوتيًا عبر أشرطة الكاسيت، ونقل السيرة إلى الإذاعة ومنصات ثقافية في رمضان، مما ساهم في انتشارها بين الأجيال الجديدة، وتلقى تفاعلًا كبيرًا، ووصلته آلاف الرسائل من المستمعين في الصعيد والوجه البحري.
وأيضًا طبع الأبنودي السيرة على طريقة نص مدوّن، وأضاف إضافات شعرية وسردية ليمزج بين الأسلوب الأصلي واللون الشعبي.
وأهدى الأبنودي مخطوطاته ودواوينه للهيئة المصرية للكتاب، وساهم مع جمال الغيطاني في تأسيس متحف السيرة الهلالية في قريته أبنود تحت رعاية وزارة الثقافة بصعيد مصر.
وكان المتحف يضم الكتب والأشرطة والربابات التي كانت تُستخدم في أداء السيرة، مما عبّر عن إرث يهدده الانقراض.
وتوفي الأبنودي في 21 أبريل 2015، تاركًا لنا تراثًا عريقًا لم ولن يموت.
ومهما مرّت السنين، تظل السيرة الهلالية واحدة من أعظم الملاحم الشعبية العربية التي تُمثل روح الأمة، وتراثًا يسرد قصص القبائل العربية وبطولاتها.