الشيخ مصطفى إسماعيل..”ملك النهاوند” و قيثارة التلاوة المصرية

كتبت : شهد محسن- الفرقة الأولى
في عالم التلاوة القرآنية، هناك أصوات خالدة ظلت محفورة في وجدان الأمة الإسلامية، ومن أبرزها صوت الشيخ مصطفى إسماعيل، الذي أبدع بأسلوبه الفريد في تلاوة القرآن الكريم، حتى أصبح أحد أعلام القراء في مصر والعالم الإسلامي. بصوته العذب وقدرته الفائقة على تطويع المقامات الموسيقية، حتى تمكن من أسر قلوب الملايين، ليصبح “قيثارة التلاوة المصرية” .
النشأة والبداية
وُلد الشيخ مصطفى إسماعيل في 17 يونيو 1905 بقرية ميت غزال، بمحافظة الغربية، ونشأ في أسرة محبة للقرآن الكريم، فحفظه في سن مبكرة على يد مشايخ قريته. لم يكن طريقه سهلاً، لكنه أظهر تفوقًا مبكرًا في التلاوة، مما دفعه إلى الالتحاق بالأزهر الشريف لدراسة علوم التجويد والقراءات، وهو ما أسس لأسلوبه الفريد الذي عرف به لاحقًا.
الانطلاقة والشهرة
بدأ الشيخ مصطفى إسماعيل رحلته في عالم التلاوة بالمساجد الصغيرة، لكنه سرعان ما لفت الأنظار إلى صوته العذب، ليحظى بفرصة القراءة في كبرى المساجد، ومنها مسجد الإمام الحسين بالقاهرة. ومع مرور الوقت، أصبح صوته يذاع عبر الأثير، فازدادت شهرته وانتشرت تسجيلاته في مختلف الدول الإسلامية.
الأسلوب الفريد
تميز الشيخ مصطفى إسماعيل بأسلوب مميز جمع بين قوة الأداء، ودقة التجويد، والقدرة الفائقة على التنقل بين المقامات الموسيقية، مما جعله متفردًا بين أقرانه. كان صوته قادرًا على الانتقال بسلاسة بين طبقات الصوت المختلفة، ما أضفى على تلاوته طابعًا روحانيًا مؤثرًا. كما عُرف بإتقانه للوقف والابتداء، مما جعل مستمعيه يعيشون معاني الآيات بكل تفاصيلها.
تقدير عالمي
حظي الشيخ مصطفى إسماعيل بتقدير واسع من كبار الشخصيات في مصر وخارجها، فكان القارئ المفضل للملك فاروق، الذي منحه لقب “قارئ القصر الملكي”. كما أُتيح له أن يقرأ القرآن أمام عدد من رؤساء وملوك العالم الإسلامي، من بينهم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان من أشد المعجبين بصوته.
رحلاته وتأثيره الدولي:
لم تقتصر شهرة الشيخ مصطفى إسماعيل على مصر، بل امتدت إلى العديد من الدول الإسلامية والعربية، مثل المملكة العربية السعودية، حيث قرأ في المسجد الحرام والمسجد النبوي، بالإضافة إلى دول مثل سوريا، العراق، وإندونيسيا، حيث كان يستقبل بحفاوة كبيرة من عشاق القرآن الكريم.
أهم أعماله وتسجيلاته:
ترك الشيخ مصطفى إسماعيل إرثًا زاخرًا من التسجيلات القرآنية التي لا تزال تبث حتى اليوم عبر الإذاعات والقنوات الفضائية. ومن أشهر تلاواته ما قدمه في الإذاعة المصرية، إضافة إلى تسجيلات نادرة لمجالس تلاوته في المناسبات المختلفة. كما ساهم في تطوير فن التلاوة، وكان له تأثير كبير على أجيال من القراء الذين جاؤوا بعده.
الجوائز والتكريم
حصل الشيخ مصطفى إسماعيل على العديد من الجوائز والأوسمة تقديرًا لعطائه في خدمة القرآن الكريم، من بينها وسام الجمهورية من الرئيس جمال عبد الناصر. كما تم تكريمه بعد وفاته، بإطلاق اسمه على أحد شوارع القاهرة، وإنشاء جمعية تحمل اسمه للحفاظ على تراثه وتلاواته.
الوفاة والإرث
توفى الشيخ مصطفى إسماعيل في الـ 26 من ديسمبر عام 1978 عن عمر ناهز الـ73 عاما تاركا إرثا عظيما يتمثل في القرأن الكريم كاملا بصوته المرتل وأكثر من 1300 تلاوة لا تزال إذاعات القران الكريم تصدح بها لتظل سيرته وصوته حاضرين في قلوب محبيه .