# Tags
#رياضة #مقالات رأى

الذكاء قبل التكتيك..تحليل في فكر الدنماركي الهادئ

كتب:عبدالرحمن ابراهيم

منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدما الدنماركي ييس توروب أرض التتش، بدا واضحًا أن الأهلي مقبل على مرحلة مختلفة. مدرب صاحب فكر واضح، ورؤية واقعية تُترجم على أرض الملعب حتى رغم تعادل الدوري المحلي، لم يحتج إلى مقدمات طويلة أو وعود براقة، بل تحدث بلغة كرة القدم فقط، فغيّر شكل الفريق وأصبح يتقدم الأهلي أكثر من مرة إلى منطقة الخِصم،بعد مرحلة من الخيبة الذي كان عليه الأهلي في عهد ريبيرو، ليبدأ توروب رحلته نحو البطولات من بوابة السوبر المصري المستحق.

توروب قرأ الزمالك جيدًا. اختار أن يبدأ اللعب من الأطراف، فحرك أشرف بن شرقي من الجهة اليسرى إلى اليمنى، ليخترق العمق بقدمه المفضلة، ويصنع الفارق بسرعته ومهارته، فيتحول من جناح إلى مهاجم ثانٍ داخل منطقة الجزاء.

في المقابل، استعاد محمود حسن تريزيجيه مركزه الأصلي كجناح أيسر، ليشكل مع بن شرقي ثنائية تبادلية أرهقت دفاع الزمالك، خاصة مع التحركات العكسية من الطرفين.

لكن العنصر الأهم في المنظومة الهجومية كان أحمد سيد زيزو، الذي منحه توروب حرية كاملة في التحرك بين الخطوط، ليلعب كصانع ألعاب “حر” تارة في العمق، وتارة في الأطراف. هذه الحرية جعلته أحد مفاتيح اللعب الأساسية، فظهر في كل مكان..يصنع، يمرر، يضغط، وينفذ الركلات الثابتة بذكاء. زيزو تحت قيادة توروب لم يعد لاعب جناح فقط، بل عقل الفريق المُدبر داخل الملعب.

في قلب الملعب، أعاد توروب الحياة إلى أليو ديانج، الذي استعاد مستواه كملك للكرات الثانية، بقوته البدنية وقدرته على الافتكاك. بجواره جاء مروان عطية ليكمل المعادلة، بالهدوء والدقة في التمرير، وذلك جعل الأهلي يفرض سيطرته على مجريات اللعب ويستحوذ بثقة.

الثنائي أصبح صمام الأمان الأول في منظومة توروب، وسببًا رئيسيًا في استعادة الأهلي لشخصيته المسيطرة بعد فترة من التذبذب الفني.

توروب يدرك أن الفريق لا يزال في طور التحضير البدني، لذلك لجأ إلى التدوير الذكي دون المساس بهوية التشكيل الأساسي. منح الفرصة لعدد من اللاعبين الجاهزين بدنيًا، وفي الوقت ذاته عمل مع مخطط الأحمال على رفع المعدلات تدريجيًا.

وفي اللحظات الحاسمة من المباريات، لجأ إلى حلول واقعية؛ أبرزها الدفع بـ أحمد رمضان بيكهام لإغلاق الأطراف، والتحول من 4-2-3-1 إلى 5-3-2 للحفاظ على التوازن الدفاعي، مع الاعتماد على المرتدات السريعة بقيادة طاهر محمد وزيزو.

ميزة توروب الأبرز هي شجاعته التكتيكية. فبدلًا من التراجع أمام المنافسين، قرر أن يضغطهم من الأمام، ويمنعهم من بناء الهجمات، مستخدمًا الضغط العالي والعكسي في توقيتات مدروسة. بهذه الطريقة، جعل الأهلي يبدو كفريق لا يُمنح فيه الخصم فرصة للتنفس أو التفكير.

حتى حين تتراجع اللياقة، يضيق المساحات ويغلق العمق، ليحافظ على التماسك الدفاعي دون أن يفقد السيطرة الذهنية على المباراة.

توروب لم يسع لتقديم كرة استعراضية، بل اعتمد على الواقعية الذكية من حيث اللعب وفق إمكانيات اللاعبين، وتوظيف كل عنصر في مكانه الصحيح، مع مراعاة ظروف المباراة وتطورها.

فهو مدرب يعرف متى يهاجم، ومتى يدافع، ومتى يغير التشكيل. لذلك بدا الأهلي مع توروب فريقًا متوازنًا، يهاجم بعقل ويدافع بذكاء.

عندما تكون البطولة الأولى هي السوبر المصري، فغالبًا ما تكون مجرد بداية لطريق طويل من النجاحات،على خُطى مارسيل كولر المدرب السابق للأهلي.

توروب الملامح تظهر أنه مدرب مغامر، لكنه واقعي. هادئ في قراراته، لكنه جريء في أفكاره. ومع استمرار هذا التوازن بين الجرأة والانضباط، فإن منصات التتويج لم يُعد بعيدًا عن متناول القلعة الحمراء.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *