#مقالات رأى

“حفلات التخرج”.. مسرح البحث عن الترند

أ.د. إلهام يونس

المعروف أن أول استخدام لمصطلح “الترند”، هو للإشارة إلى اتجاهٍ مُعينٍ لتحريك الأسعار؛ حيث يتم تحديده بعد إجراء تحليل فني لسلوكيات واتجاهات البيع والشراء، فقد تكون صاعدةً أو هابطةً أو أفقيةً.

أما في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد اختلف المفهوم؛ ليعبر “الترند” عن الموضوع الذي ينتشر بشكلٍ كبيرٍ؛ بحيث تزيد سرعة انتشاره عن باقي الموضوعات، وكما هو معروفٌ؛ أن السوشيال ميديا غيرت العادات الاتصالية والإعلامية للجمهور بشكلٍ عامٍ، فقد تدخلت أيضًا لقلب موازين الأمور في المفاهيم العلمية؛ ليتحول الترند من كونه موضوعًا انتشر سريعًا لنجاح صاحبه، سواء كان مُسلسلًا، أو لاعب كرة، أو أغنيةً، أو بطلًا رياضيًا، أو طالبًا مُتفوقًا، حققوا الترند، إلى أكذوبة يطرحها دعاة الشهرة على صفحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ وخاصةً “الفيسبوك وتويتر” لرفع نسبة المرور على صفحاتهم، ولفت النظر إليهم.

وليس هذا فقط؛ بل امتد البحث عن الترند إلى حفلات التخرج الجامعية، والتي كنا نعتبرها رمزًا للوقار والشموخ، وطقوسها التي كانت تعكس قدسية الحرم الجامعي واحترامه؛ فما يحدُث فيها الآن، هو خروجٌ عن المألوف، وابتزال وإهانة للزي الجامعي الذي يرتديه الخريج، والسؤال الذي يطرح نفسه، أين ذهبت هيبة الجامعة وأساتذتها؟ وكيف يجرأ هؤلاء الخريجون الراقصون على أداء فقراتٍ راقصةٍ قبل صعودهم منصة التكريم ويقف على هذه المنصة علماءٌ في تخصصاتهم، وقياداتٌ في جامعاتهم؟ وكيف يقبل هؤلاء العلماء أن يقفوا إجلالًا لهؤلاء الخريجين لتكريمهم يوم تخرجهم؛ مُنتظرين إنتهاء فقرة الرقص والتصوير؟ عجبت لهذا الزمن؛ هل صعب على مُقدم حفلة التخرج أن ينهر هذا الخريج أو الخريجة التي تأتي للمنصة راقصة؟ أم يخشى هو أيضًا من لوم المُتابعين وأن يُصبح موضوعًا للترند بطريقةٍ سلبيةٍ؟ الأمر ليس مُقتصرًا على لوم الخريجين، ولكني أقدم اللوم كذلك لإدارة الجامعة، والأساتذة، وأولياء الأمور، الذين حضروا هذه المهازل، ووقفوا مُبتسمين لحين انتهاء التصوير.

وبمُتابعتي لصفحات التواصل الاجتماعي في العطلة الصيفية، لاحظت أن المسؤولية مُشتركة بين عدة أطرافٍ؛ حيث شاهدت فيديو لأحد أولياء الأمور يتبارى في الرقص الخليع المُثير للاشمئزاز أمام ابنته الخريجة، وأمام منصة التكريم، ومن شدة ذهولي بما يحدث؛ ظننت أن الفيديو مُفبرك؛ ولكن اتضح أنه حقيقي، والأمر لم يقتصر على حفلات التخرج؛ ولكن حفلات الزفاف أيضًا، حدث ولا حرج عن أفعالٍ مُبتذلةٍ، وتقاليدٍ غريبةٍ، وتصرفاتٍ تخدش حياء العروسين أو تقلل من شأن أحدهما، هل غيرت وسائل التواصل الاجتماعي مُنظومة القيم المصرية الأصلية؟ هل نجحت في إعادة ترتيب أولويات الجمهور؟ هل أصبح البحث عن الترند هو قمة المُراد الذي في سبيله تنهار كل الثوابت؟

الإجابة عن هذه التساؤلات هي “نعم”، فلم يقتصر البحث عن ترند على مواقع التواصل الاجتماعي على تقليد المشاهد الدرامية، أو الرقص الخليع في محافل العلم؛ بل امتد لطقوس الحياة اليومية لدى الكثير من الشباب، فسيطر عليهم هوس “السيلفي”، حتى داخل غرف العمليات في المستشفيات، وقد يدفع الكثيرون حياتهم في بعض الأحيان، بسبب المُغالاة والتهور في التقاط السيلفي بدافع نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، حرصًا على الدعم النفسي من خلال الحصول على “like، comment، share”، عبر الفيس بوك وتويتر بالتحديد، فيما يعكس نرجسية هؤلاء الأشخاص، وإعجابهم غير العادي بصورهم الذاتية، ورغبتهم في جذب الانتباه إليهم بشتى الطرق، واستغلالهم للأصدقاء على صفحتهم؛ لتلبية حاجاتهم الذاتية في حب الظهور والاستعراض، والرغبة في التأثير في الآخرين؛ بل والتفوق عليهم، وتحقيق الترند.

ويضاف إلى ما سبق ظاهرة تبني المواقف الغريبة النادرة والمُختلفة عن العُرف المألوف، حتى في الأمور المصيرية؛ كـ “الزواج”، وما يرتبط به من وثائق تضمن حق المرأة، فقد وصل الأمر للتنازل عنها، واستبدالها بعباراتٍ تجذب رواد السوشيال ميديا؛ للبحث عن الترند أيضًا.

فرفقًا برواد السوشيال ميديا من الإسفاف والابتذال، ونشر الأفكار الغريبة، والمواقف الوهمية، ورفقًا بالصغار من الانحدار في اللغة والذوق والسلوكيات، لقد حملنا مواقع التواصل الاجتماعي فوق طاقتها، وأصبحت بالفعل مسرحًا للبحث عن الترند، فلو اعتبرنا أن الجديد في وسائل الإعلام هو المحتوى الرقمي، ومواقع التواصل الاجتماعي، فإن المعيار الرئيس لنجاح الرسالة الإعلامية هو الوصول لهدفها، والبقاء في وجدان الجمهور بالمعلومة والخبر، والمضمون المُحترم، وليس الترند اليومي الوقتي.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *