
كتب:محمد عبد الله
ملك شريف
تصوير: علي نور
أكد المشاركون في الحلقة النقاشية الثانية تحت عنوان “الإعلام الرياضي وتعزيز القيم الأخلاقية”، وذلك ضمن فعاليات المؤتمر العلمي الثامن الذي ينظمه المعهد الدولي العالي للإعلام بأكاديمية الشروق تحت شعار “الإعلام وبناء الإنسان”على ضرورة تعزيز قيم وأخلاقيات الإعلام الرياضى بوصفها أساسيات ممارسة هذا العمل، فهى ليست وظيفة ولكنها رسالة، وشددوا على ضرورة أن يتحلى من يعمل في هذا الحقل بمجموعة من القيم منها أن يكون أمينا، وصادقا، وموضوعيا، وواضحا، وجريئا، وعادلا، ومحايدا، وفاهما، متعلما، وبعيدا عن تضارب المصالح، فلا يكون إعلاميا وعضوا فى اتحاد أو نادي .
قوة مؤثرة
وقالت الدكتورة هبة السمري -أستاذ الإعلام وعميد كلية الإعلام والعلاقات العامة جامعة النهضة- ورئيس الجلسة أن الرياضة اليوم إحدى أهم أدوات بناء الإنسان وتشكيل الوعي، ولم يعد الإعلام الرياضي مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو تغطية المباريات فقط، بل تحول إلى قوة مؤثرة في تشكيل الاتجاهات، وصناعة الرموز، وبث الرسائل، سواء كانت إيجابية أو سلبية. وهنا تكمن أهمية هذه المناقشة حول دور الإعلام الرياضي في تعزيز القيم، ومحاربة خطاب التعصب، وغرس مفاهيم مثل الروح الرياضية، والاحترام، والانتماء، والعمل الجماعي.
أزمة حقيقية
- أكدت الدكتورة نائلة عمارة -أستاذ الإعلام وعميد كلية الإعلام وفنون الاتصال جامعة فاروس- أنه لايمكن فصل ما يحدث في الإعلام الرياضي عما يجري في المجتمع ككل، فنحن نواجه أزمة حقيقية على مستوى القيم والسلوكيات في المجتمع، حيث شهدت هذه القيم تحولات كبيرة لأسباب معقدة يصعب تناولها جميعًا الآن. وللأسف، يلعب الإعلام دورًا كبيرًا في هذه التغييرات، خصوصًا مع تأثير السوشيال ميديا التي تُعاني من غياب التنظيم والرقابة، مما يجعلها بيئة خصبة لنشر المعلومات غير الدقيقة والشائعات، وهو ما يشكل خطرًا حقيقيًا على القيم المجتمعية.
أضافت أن الإعلام الرياضي له تأثير هائل، خاصة على الفئات العمرية الشابة، وهو سلاح ذو حدين. قد يكون وسيلة لتعزيز القيم الإيجابية، مثل الروح الرياضية والاحترام، وقد يصبح مصدرًا لنشر التعصب والعنف. لهذا السبب، علينا إجراء دراسات مقارنة بين مضامين الإعلام الرياضي المحلي والدولي، لتحديد الفجوات ومحاولة تطوير محتوى يحترم القيم الأخلاقية وينشر الثقافة الرياضية بشكل إيجابي مشيرة إلى أن القيم تُزرع من خلال الشاشة، وأن الإعلام الرياضي قادر على بناء أو هدم القيم المجتمعية بحسب الرسائل التي يختار توجيهها.
شحن الرأي العام
قالت الدكتورة أمال الغزاوي (أستاذ الإعلام وعميد المعهد الكندي العالي لتكنولوجيا الإعلام الحديث CIC ( إن الإعلام الحديث يواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بتضارب المصالح وشحن الرأي العام، خاصة بين الشباب، وهذا قد يؤدي إلى نتائج سلبية خطيرة. من هنا تأتي أهمية التربية الإعلامية، ليس فقط للإعلاميين، بل لكل من يتعامل مع الأخبار على منصات التواصل الاجتماعي مؤكدة على ضرورة أن يمتلك الجميع القدرة على التفكير النقدي، ليتمكنوا من التمييز بين الأخبار الصحيحة والزائفة في عصر الإعلام الجديد، حيث تزايد تزييف الحقائق والأحداث، مثل الفيديوهات المعدلة والمعلومات الملفقة، لذا من المهم أن يتأكد الشباب من صحة أي خبر أو فيديو قبل تداوله.
وطالبت الغزاوي بوضع مواثيق شرف إعلامية تحكم أداء الإعلاميين، في ظل الجهود التي يبذلها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وأعضاؤه، ومن أهم بنود هذه المواثيق الشفافية والأمانة، وبذل الجهد لنقل الحقائق دون تحيز لأي طرف، والتفريق بوضوح بين الرأي الشخصي والأخبار الموضوعية، على الإعلامي أن يكون صادقًا وموضوعيًا في طرحه للأخبار، وأن يفصل بين الحقيقة والتعليق الشخصي.
أكدت أن الإعلام الرياضي له دور كبير في تشكيل الرأي العام، ولكنه قد يصبح سببًا في توتر الجماهير إذا لم يتم التعامل معه بحذر و من المهم أن يتحلى الإعلاميون بروح رياضية وأخلاقيات عالية، وأن يتجنبوا إثارة المشاعر السلبية بين الجماهير، كما حدث في بعض الأحداث المؤسفة مثل حادثة بورسعيد مشددة على أن المنافسة الرياضية يجب أن تبقى شريفة وعادلة، دون استخدام الإعلام كأداة لإشعال الفتنة أو التحريض.
وطالبت بأن يلتزم الإعلامي بالحياد، خاصة عند تغطية الأحداث الرياضية داخل أو خارج البلاد، وألا يعتمد في تغطيته على دعم أي نادٍ أو جهة قد تؤثر على نزاهته وشفافيته. على المؤسسات الإعلامية أن تتحمل مسؤولية تمويل وتوجيه إعلامييها، لضمان الشفافية والحياد.
تطبيق القوانين
من جانبه قال الكاتب الصحفي أكرم القصاص رئيس مجلس إدارة اليوم السابع إن الإعلام الرياضي يتمتع بطبيعة خاصة منذ زمن بعيد فهو كان يميل إلى المبالغة حتى في كتابة العناوين وخاصة في الصحف الشعبية والتي كانت تمثلها جريدة المساء مشيرا إلى أن التعصب الرياضي مبعثه في الأساس وسائل الإعلام الرياضية ، موضحا أن المواطن يصبح بين خيارين مع طرف أو ضد طرف، جراء تلك المناوشات، التي تكشف عنها وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي وتتسبب في تضخيم الخلافات بين الجماهير.
وأضاف أن بعض المسئولين الرياضيين ارتكبوا أخطاء قاتلة في حق الرياضة المصرية ، ساهمت في تأجيج مشاعر التعصب، مشيرًا إلى أن الأصل في الرياضة أنها لعبة تعلي من شأن الروح الرياضية وتشجع على التنافس الشريف، مؤكدا في الوقت ذاته أنها عندما تتحول إلى ما هو عكس ذلك والتجاوز الذي حصل في السنوات الأخيرة؛ فإننا إزاء كارثة حقيقية .
وأكد أن المنافسة يجب أن تظل ضمن الحدود الطبيعية، موضحا أن “المناكفة الرياضية” ستظل موجودة بشكل طبيعي في كل مكان؛ لكنها يجب أن تبقى في إطارها الطبيعي، دون أن تصل إلى حد التجاوزات التي شهدناها في السنوات الأخيرة. ووصف هذه التجاوزات بأنها كارثة وخطر حقيقي على الشباب ، الذين يرون مسئوليهم يتبادلون الشتائم بهذه الطريقة، مؤكدًا أنها تشكل سلوكا مدمرا ومحبطا لا يمت للرياضة بأي صلة.
وأضاف أن مواجهة التعصب الرياضي يجب أن يتم من خلال القوانين التي تحكم هذه الافعال وهي كثيرة وهي يمكن أن تساهم في وقف التجاوزات التي تتم في الصحافة الرياضية .
صحافة قوية
من جانبه قال إسلام صادق الكاتب الصحفي والإعلامي الرياضي إن مصر لديها صحافة قوية جدًا، وإعلام رياضي متميز للغاية، وعندما تحاول أي قناة عربية مخاطبة جمهور الشرق الأوسط، غالبًا ما تعتمد على المذيعين والمحللين المصريين، سواء كان ذلك في المجالات السياسية أو الرياضية، وعلى سبيل المثال، فإن المستشار تركي آل الشيخ،مالك قناة “بيراميدز” في بدايتها عندما أراد التواصل مع الجمهور المصري لم يلجأ إلى إعلاميين من الخارج، بل اختار المصريين لأنهم الأكثر تأثيرًا في الوطن العربي. أعتقد أنه من الصعب العثور على مذيع رياضي عربي من جنسية أخرى له نفس التأثير في المنطقة.
وأكد رفضة لفكرة عدم تحلي الإعلام الرياضي المصري بالمهنية مؤكدا امتلاك مصر إعلام رياضي قوي ومهني للغاية، ومن يخالف هذه المهنية سرعان ما يخرج من الساحة الإعلامية، لأن الجمهور المصري يملك وعيًا عاليًا ويعرف كيف يميز بين الجيد والسيئ.
أشار إلى أن الإعلاميين المصريين لديهم الخبرة الكبيرة والمهنية العالية، كما أن معظم القنوات العربية تعتمد على كوادر مصرية لإدارة وتقديم محتواها. يجب أن نكون فخورين بهذا الإرث الإعلامي العريق.
من جانبه أكد الكابتن محمد فاروق -لاعب منتخب مصر والنادي الأهلي السابق ومقدم برنامج بريمو بقناة TEN – أننا نعيش الآن في واقع جديد يتغير فيه الإعلام الرياضي المصري بسرعة، حيث ظهرت مدارس إعلامية شابة مثل تلك التي يمثلها هاني حتحوت وإبراهيم فايق وإبراهيم عبد الجواد وغيرهم و كل واحد منهم لديه أسلوبه الخاص وخبراته المختلفة التي تميز طريقته في تقديم المحتوى، وهذا ما يجعلهم قريبين من الشباب، لأنهم ببساطة من نفس الجيل، ويفهمون كيف يصلون إلى هذه الفئة ، مشيرا إلى أهمية التعليم والدراسة في هذا المجال، قائلا:”بعد اعتزالي كرة القدم قررت دراسة الإعلام، وهو قرار أثر بشكل إيجابي على مسيرتي الإعلامية. والخبرة التي اكتسبتها كلاعب والدراسة الأكاديمية معًا جعلتني أكثر فهمًا للواقع الرياضي وأقرب إلى الجماهير.
تحديات كبيرة
أضاف أن العالم العربي عندما يتابع الإعلام الرياضي، ويركز غالبًا على الكرة المصرية والأندية الكبرى مثل الأهلي والزمالك، حيث لا تزال الكرة المصرية تحظى بمكانة مميزة في قلوب الجماهير العربية. لكننا نواجه تحديات كبيرة، فكل إعلامي لديه أسلوبه وطريقته في مخاطبة الجمهور، وهذا يعتمد كثيرًا على شخصيته وتجاربه. قد تجد مذيعًا يحظى بشعبية كبيرة بين الشباب لأنه يقدم معلوماته بروح رياضية، بينما آخر قد يثير الجدل بأسلوبه النقدي.
أوضح الكابتن محمد فاروق أن أي إعلامي يجب أن يتحلى بالضمير المهني عند نقل المعلومات، بغض النظر عن ميوله الشخصية، وليس هناك مشكلة في أن يكون للمذيع انتماء رياضي معروف، لكن الأهم هو كيف يقدم هذه المعلومة بموضوعية وأمانة دون تحيز أو تحريف للحقائق.
أضاف أن بعض الإعلاميين يقع في أخطاء مثل تسريب أخبار قبل التأكد من صحتها أو نشر تسجيلات دون إذن، وهذا يضر بالمهنية والمصداقية. لكننا اليوم نرى جيلًا جديدًا من الإعلاميين الشباب مثل هاني حتحوت، الذين يثبتون أنفسهم في هذا المجال بمهنيتهم العالية واحترامهم للقيم الإعلامية.
قوة الإعلام الرياضي
قال الإعلامي الرياضي هاني حتحوت إن الإعلام الرياضي يتمتع بتنوع كبير يتيح للمتلقي اختيار الأسلوب الذي يناسبه بالرغم من الانتقادات التي توجه إليه أحيانًا ، فبعض المشاهدين يفضلون أسلوب مذيع معين، بينما يفضل آخرون أسلوبًا مختلفًا، وهذا التنوع في الأساليب والتوجهات يعكس قوة الإعلام الرياضي في مصر. مشيرا إلى وجود الإعلام الرياضي عبر منصات مختلفة، سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مكتوبة، يتيح للمشاهد حرية أكبر في اختيار المصدر الذي يثق به، ويعزز من وعيه وقدرته على التحليل والنقد.
أكد حتحوت أن هناك بعض التحديات التي تواجه الإعلام الرياضي، من أبرزها مسألة الانتماءات التي لا تمثل عائقا أمام أداء الرسالة الإعلامية ، فهذا جزء طبيعي من تكوين الإنسان. لكن، من المهم ألا يؤثر هذا الانتماء على مصداقيته وحياديته في تقديم المعلومات ، فدورنا كإعلاميين ليس عرض وجهات نظرنا الشخصية، بل تقديم محتوى موضوعي يخدم الجمهور.
وأضاف أن الإعلام هو مرآة المجتمع، وما نقدمه عبر شاشاتنا يؤثر بشكل كبير في تشكيل وعي الأجيال القادمة، لذلك، يجب علينا دائمًا أن نلتزم بالمعايير المهنية والأخلاقية، وأن نكون على قدر هذه المسؤولية الكبيرة.
التدريب الإعلامي
خلل إداري
وتعقيبا على المناقشات أشاد الدكتور أشرف جلال عميد كلية الإعلام بجامعة السويس باختيار عنوان المؤتمر مشيرا إلى أن قضية الوعي هي أخطر القضايا التي تؤرق المجتمعات وأن المنظومة الرياضية تعاني من خلل كبير في الفكر الإداري فلا أحد يدري من يدير الرياضة هل اتحاد الكرة أم رابطة الأندية وأن المنظومة تعاني من عدم وجود الشفافية وأنها تعمل في المنطقة الرمادية حيث كان هناك تجاوزات كبيرة من جانب أحد رؤساء الاندية ولم يتعرض للمحاسبة.
أكد على أهمية التدريب في مجال البرامج الرياضية وكذلك خطورة تضارب المصالح وضرورة الاهتمام بالتربية الإعلامية وضرورة الفصل بين الخبر والتعليق وتفعيل القانون بصورة حاسمة وواضحة وطالب بضرورة تطبيق الحوكمة الرياضية.
التوصيات
وفي نهاية الجلسة قدمت الدكتورة رشا حجازي رئيس قسم العلاقات العامة بالمعهد قدمت عدة توصيات على رأسها ضرورة وضع ميثاق شرف إعلامي موحد يلزم المؤسسات الإعلامية باحترام المعايير المهنية والبعد عن الإثارة، والتأكيد على مسؤولية الإعلام الرياضي في تغطية الأحداث الرياضية بموضوعية وهدؤ وعدم التحيز .
طالبت بالدمج بين الدراسة الأكاديمية والخبرات العملية وتصميم برامج تدريبية للإعلاميين الرياضيين
وكذلك الدعوة لوضع ميثاق شرف أخلاقي للبرامج الرياضية يتم الالتزام به من جانب الجميع وتعزيز قيم الرقابة الذاتية لدى المؤسسات لمتابعة المحتوى الرقمي الرياضي .