#ثقافة وفن

عبد النبي: نبراس العطاء في عالم التقنية

سامي المرسي كيوان

في زحمة الحياة العملية، حيث تتداخل المصالح وتتسابق الطموحات، يبقى هناك دومًا أشخاص يحملون في قلوبهم شعلة العطاء والإخلاص، أشخاص لا يقيسون النجاح بعدد الترقيات أو المكاسب المادية، بل بمدى الأثر الذي يتركونه في حياة الآخرين. ومن بين هؤلاء، يبرز اسم المهندس عبد النبي، مدير صيانة الكمبيوتر في المعهد الدولي للإعلام، رجلٌ جسّد في حياته المهنية معنى التفاني والإنسانية، وجعل من عمله رسالة نبيلة يتخطى بها حدود الواجب ليكون عونًا لمن حوله.

شرح الدور والمكانة

ليس من السهل العثور على شخص يُجيد مهنته ويتفانى فيها بنفس القدر الذي يتحلى به بالخلق الحسن والإنسانية الراقية. المهندس عبد النبي ليس مجرد مسؤول عن صيانة أجهزة الكمبيوتر، بل هو شخص يُنظر إليه كركيزة أساسية داخل المعهد، فهو الذي يُسارع إلى حل المشكلات التقنية دون أن يضجر أو يتذمر، وهو الذي يتعامل مع الجميع بروح الصداقة والود، فلا يشعر من يحتاج إليه أنه يطلب خدمة، بل كأنه يتلقى معروفًا من أخٍ كبير أو صديق محب.

ابتسامته الدائمة ليست مجرد تعبير عن حسن الخلق، بل هي بمثابة طمأنة لكل من يلجأ إليه بأن المشكلة ستُحل، وأنه لن يغادر حتى يتأكد من أن كل شيء عاد إلى طبيعته. قليلون هم من يمتلكون هذه القدرة على جعل الآخرين يشعرون بالأمان والثقة، وهي ميزة لا تكتسب بالتعليم ولا بالشهادات، بل تنبع من نقاء القلب وصفاء السريرة.

تحليل شخصيته وأسلوبه في العمل

إذا تأملنا في شخصية المهندس عبد النبي، نجد أنه نموذج للإنسان العملي الذي لا يتوقف عند أداء مهامه فحسب، بل يحرص على أن يجعل من عمله وسيلة لخدمة الآخرين بكل ما أوتي من معرفة وخبرة. فهو لا يتردد في تقديم المشورة الفنية، ولا يبخل بالمعلومة حتى لو كانت خارج نطاق مسؤولياته المباشرة. كثيرًا ما نرى موظفي المعهد وطلابه يطلبون مساعدته، سواء في أمور تقنية تتعلق بأجهزتهم الشخصية أو بمشكلات خارج نطاق العمل، ولم يُعرف عنه يومًا أنه ردّ أحدًا خائبًا أو ضاق ذرعًا بكثرة الطلبات.

مثل هذه الشخصية نادرة في بيئات العمل، حيث يُفضّل البعض التزام الحد الأدنى من المسؤوليات، متذرعين بالوقت أو الانشغال. أما عبد النبي، فهو من طينة أخرى، طينة الذين يجدون سعادتهم في تقديم العون، والذين يعتبرون أن نجاحهم الحقيقي يُقاس بما يضيفونه لحياة الآخرين من راحة وسهولة. إنه ليس مجرد موظف يؤدي وظيفته، بل هو أشبه بجندي مجهول يسهر على راحة الآخرين دون أن يطلب مقابلًا أو ينتظر تقديرًا.

الهدف من تفانيه في العمل : حين نسأل أنفسنا: ما الذي يدفع إنسانًا مثل عبد النبي إلى هذا الإخلاص النادر؟ هل هو حب المهنة؟ أم شعوره بالمسؤولية؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك؟

في الواقع، يمكن القول إن هدفه يتجاوز مجرد إتقان العمل أو تحقيق النجاح المهني، فهو يرى في مساعدة الآخرين قيمة إنسانية بحد ذاتها. ربما نشأ على هذا المبدأ منذ صغره، أو ربما اكتسبه من تجاربه الحياتية، لكنه في النهاية بات جزءًا أصيلًا من شخصيته. إنه يدرك أن التكنولوجيا ليست مجرد أجهزة وشبكات، بل هي وسيلة لتحسين الحياة وتسهيل الأمور، وأن دوره كمهندس لا يقتصر على إصلاح العطل، بل يشمل خلق بيئة يشعر فيها الجميع بأنهم قادرون على الاعتماد عليه متى احتاجوا إليه.

في عالم أصبحت فيه القيم المادية تطغى على الأخلاق، يبرز أشخاص مثل المهندس عبد النبي ليذكّرونا بأن الإنسانية لا تزال حية، وأن العطاء لا يُشترى بالمال ولا يُفرض بالقوانين، بل ينبع من القلب. إن قصته ليست مجرد حكاية عن مهندس بارع في مجاله، بل هي رسالة لكل من يعمل في أي مهنة: أن الإخلاص، والمعاملة الطيبة، والبذل دون انتظار مقابل، هي القيم التي تصنع الفرق بين موظف عادي، وشخص يظل اسمه محفورًا في القلوب.

قد لا يُدرك عبد النبي حجم الأثر الذي يتركه في زملائه وطلابه، لكنه حتمًا سيبقى نموذجًا يُحتذى به لكل من يعمل في المجال التقني، ولكل من يسعى لجعل مهنته مصدرًا للعطاء قبل أن تكون وسيلة لكسب الرزق. وفي نهاية المطاف، تبقى السمعة الطيبة هي الإرث الحقيقي الذي يتركه الإنسان وراءه، وهي الثروة التي لا تفقد قيمتها مهما تغير الزمن.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *