لام شمسية..دراما اجتماعية تدق ناقوس الخطر

بقلم د.نسرين عبد العزيز
في المنتصف الثاني من شهر رمضان الكريم طل علينا المخرج كريم الشناوي والكاتبة مريم نعوم بعمل فني متفرد من نوعه ، يطرح موضوعات عدة وقضايا هامة داخل المجتمع تتصدرها قضية التحرش بالأطفال التي تعد من القضايا الحساسة داخل المجتمعات على اختلاف جنسياتها وخاصة المجتمعات العربية، إنه مسلسل “لام شمسية”، فظاهرة التحرش بالأطفال تحتاج الكثير والكثير للقضاء عليها وتوعية الجمهور بشأنها ، لارتباطها بخيوط كثيرة منها ما هو مرتبط بالخوف من نظرة المجتمع الغير واعية والتي قد تكون غير منصفة في بعض الأحيان تجنبا للفضائح وإثارة البلبلة للطفل الذي يقع تحت هذا الانتهاك، ومنها ما هو مرتبط بالأطفال ذاتهم وعدم وعيهم بأن ذلك يُعد تحرشا ، وخوفهم من الإفصاح للوالدين لعدم وجود جسر من الثقة فيما بينهم، ومنها ما هو مرتبط بالشخص القائم بفعل التحرش والمداخل النفسية التي يستخدمها للإيقاع بضحاياه الذين قد يكونون في إطار محيط علاقاته وليس خارجها فقط مما يجعل الموضوع أكثر تعقيدا.
وحقيقة الأمر أن مسلسل “لام شمسية” استطاع أن يقوم بصحوة للمجتمع وللآباء والأمهات ، فتناول ظاهرة التحرش بالأطفال من محاور عديدة ، ومزج البعد النفسي بالبعد الاجتماعي والبعد الصحي ببراعة شديدة، وكانت كل حلقة بمثابة كبسولة توعوية للجمهور، سواء فيما يخص الأعراض التي تظهر على الأطفال الذي يقعون ضحية لهذا الانتهاك، أو ما يخص توعية الطفل باللمسة الطيبة واللمسة السيئة وكيف يتعاملون معها، أو فيما يخص التوعية بأهمية الطب النفسي وتغيير النظرة المغلوطة بشأنه والتركيز على دوره الهام في تخطي الأزمات النفسية التي يتعرض لها الأطفال المُتحرش بهم، فقد يكون أحد أطواق النجاة لهؤلاء الأطفال في مواجهة المجتمع والتعافي بشكل كامل، أو فيما يخص الاعتناء بالأطفال، وأهمية تخصيص مساحة لهم في حياة الأب والأم وروتينهم اليومي لخلق جدار الثقة الذي يمثل الحصن أمام أي أزمة يتعرضون لها، أو ما يخص ضرورة الإبلاغ عن المتحرشين وتسليمهم للقضاء حتى ينالوا عقابهم.
وبجانب ما سبق فكان هناك توعية أيضا داخل العمل بأخطار الألعاب الإلكترونية، وأزمة الهوية بالنسبة لسكان المحافظات ، والدراسة من المنزل، والأهمية الاجتماعية لارتياد المدارس والانخراط في المجتمع ، مسلطا الضوء على الخيانة الزوجية وأثرها في الجفاء الأسري وهشاشة الأسرة، وأهمية التربية الحديثة في مواجهة المشاكل التي يتعرض لها الأطفال ومساعدتهم.
ناهيك عن الآداء المتميز ومباراة التمثيل التي نراها كل يوم على الشاشة بين أحمد السعدني والذي جسد دور “طارق” الأب الذي يقع ابنه “يوسف” تحت انتهاك التحرش من صديق عمره “وسام”، بإيقاع هادئ معبر عن الانفعالات بحكمة وصدق فهو دور معقد يحمل الكثير من الصراعات الداخلية، وما بين الندم والخجل والحب والخوف نجد أجمل مشاهد يبدع السعدني فيها بكل حلقة ، وأمينة خليل زوجة الأب “نيللي” والتي غيرت الصورة النمطية لزوجة الأب القاسية المقدمة في أعمال درامية عديدة، فقدمت صورة إيجابية لزوجة الأب المحبة لابن زوجها وهي أول من اكتشفت تعرضه لواقعة التحرش، وأخذت على عاتقها الدفاع عنه وأخذ حقه، صراعات عدة داخلية وخارجية عبرت عنها ببراعة وبأدوات كثيرة بالنظرة والابتسامة وتعبيرات الوجه ، ولغة الجسد ونبرة الصوت ، وحقيقة الأمر أن أمينة خليل في الآونة الأخيرة اهتمت بتجسيد أدوار هامة في أعمال فنية تناقش قضايا غير نمطية مثل “خللي بالك من زيزي”، “والهرشة السابعة”.
ومحمد شاهين الذي قدم أفضل أدواره في مسيرته المهنية ، فقد وظف إمكانياته الفنية بشكل متقن، واستطاع أن يجسد دور المتحرش “وسام” بخلفياته الاجتماعية والنفسية، شخصية مركبة ومتلونة ، الكذب عنوانه والخداع أهم أدواته في استدراج ضحاياه والاستمرارية في جرائمه، ثباته الانفعالي ، والابتسامة الساخرة، والجحود في عينيه ، والمكر والدهاء والألاعيب النفسية التي اعتاد على استخدامها كل ذلك جعل الجمهور يتوحد معه ويكرهه ويتمنى أن ينال عقابه وهذا نجاح لشاهين في حد ذاته، كما قدمت يسرا اللوزي وصفاء الطوخي دورين مميزين لهما بصمة كبيرة داخل المسلسل.
وإجعلني عزيزي القارئ أثني على موهبة الطفل علي البيلي الذي جسد دور “يوسف” فكان حضوره لافتا بآداء تمثيلي متقن، طفل موهوب استطاع أن يعبر في كل مشهد ، عن العديد من الصراعات التي يخوضها خاصة المشاهد التي تناولت قضية التحرش بالأطفال، فكانت مشاهده صعبة ولكن إبداعه فاق هذه الصعوبة وحظي على إشادة كبيرة من النقاد والجمهور.
وما أضاف لهذا العمل أيضا إشراف المجلس القومي للأمومة والطفولة والمجلس القومي للمرأة ووزارة التضامن الاجتماعي ، وحضور السيدة سارة عزيز عضو مجلس إدارة بالمجلس القومي للأمومة والطفولة للتصوير للتأكد من السلامة النفسية لعلي بطل العمل وتحسبا لأي مواقف غير محسوبة قد يتعرض لها أثناء التصوير، ناهيك عن الصورة المتميزة، والكادرات المحسوبة ، والإضاءة المدروسة ، والديكور المبدع ، والمونتاج المتقن، والموسيقى التصويرية الدافئة التي جعلت من العمل لوحة فنية مكتملة العناصر .
وأخيرا وليس آخرا “لام شمسية ولام قمرية واحدة نقولها وواحدة خفية، القمرية زاي ماهي، زي الباب والعين والقلب، والشمسية متخبية زي السر وزي الذنب”، فمسلسل لام شمسية عمل فني احترم الجمهور، ناقش قضية في غاية الحساسية دون مبالغة أو ابتذال ولم يخدش حياء الأسرة المصرية، وكان بمثابة صرخة لضحايا ظاهرة سلط العمل الضوء عليها وقدم التوعية الكاملة بشأنها.