# Tags
#أخبار #تحقيقات وحوارات

مباني القرن الـ 19 تستعيد رونقها في مشروع تطوير القاهرة الخديوية

د. سهير حواس: القاهرة الخديوية تمثل لحظةً نادرة في تاريخ مصر

“سهير”: إقناع الملاك والمستأجرين بأهمية الترميم من أبرز التحديات التي واجهتنا

تقرير أرشيفي – إعداد: مني عاطف

في قلب العاصمة، تمتد منطقة القاهرة الخديوية، كصفحةٍ معماريةٍ شاهدةٍ على مرحلة تحولٍ جذري شهدتها مصر، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ليست مجرد مجموعةٍ من الشوارع والمباني؛ بل هي نموذجٌ متكاملٌ لمشروعٍ حداثي، أراد به الخديوي إسماعيل أن يجعل من القاهرة مدينة تضاهي عواصم أوروبا، وعلى رأسها باريس، ذلك ما بين عامي 1867 و1874م؛ مستعينًا بمهندسين، وخبراءٍ أجانب؛ لوضع التصور العمراني الجديد الذي يجمع بين الجمال والوظيفة، ويليق بالعاصمة الحديثة.

وبعد عقودٍ من الإهمال والتدهور، عادت هذه المنطقة إلى الواجهة من جديد، من خلال مشروعٍ ترميمٍ ضخمٍ، قادته الدكتورة سهير زكي حواس، أستاذ العمارة والتصميم العمراني، بجامعة القاهرة.

وأوضحت د. سهير حواس، في حديثها إلى مجلة “الفسطاط”، أن القاهرة الخديوية تمثل لحظة نادرة في تاريخ مصر، حينما التقت الرغبة السياسية في التحديث، مع أدوات التصميم العمراني العصري، فلم تكن مجرد تطويرٍ عمرانيٍ؛ بل كانت إعلانًا عن دخول مصر إلى العصر الحديث.

ملامح عمرانية فريدة

وأضافت أن المنطقة تضم شوارعًا رئيسية؛ مثل: “شارع قصر النيل، شارع طلعت حرب، شارع شامبليون”، وميادينًا تاريخية؛ مثل: “ميدان التحرير، ميدان الأوبرا القديمة، وميدان مصطفى كامل”، وتتنوع أنماطها المعمارية بين الكلاسيكية الجديدة، والباروكية، والنهج الإيطالي والفرنسي، ما يمنحها طابعًا فريدًا داخل النسيج العمراني القاهري.

واستكملت “حواس”، أن المباني ليست متشابهة؛ بل كلٌ منها يحمل طرازًا فنيًا مستقلًا، وهذا التنوع المعماري يعكس الانفتاح الثقافي الذي كان يميز مصر في تلك الفترة، كما يكشف عن المهارة العالية للمعماريين الذين صمموها.

من التدهور إلى الترميم

كما أشارت إلى أن القاهرة الخديوية قد عانت لعقودٍ من الإهمال، نتيجة عوامل متعددة؛ مثل: “التكدس، تدهور المرافق، التعديات البصرية، وتدهور حالة المباني”، وفي عام 2010م، بدأت الدولة تنفيذ المشروع الشامل لترميم القاهرة الخديوية؛ مؤكدة أن المشروع لم يكن مجرد محاولةٍ لتجميل المنطقة؛ بل كان خطوةً لاستعادة الهوية المفقودة؛ قائلة: “بدأنا بتوثيقٍ دقيقٍ لأكثر من 500 مبنى، استخدمنا فيه الأرشيفات التاريخية، والصور القديمة، والتحليل الميداني، ثم تحركنا نحو إزالة الإعلانات العشوائية، وتوحيد لافتات المحال، وإعادة طلاء الواجهات بالألوان الأصلية، وإبراز العناصر المعمارية التي طمستها السنوات”.

البيروقراطية وتعدد الملكيات

وعن التحديات التي واجهت المشروع، كشفت “حواس” أن أبرزها كان في تعدد جهات الملكية للمباني، وغياب الصيانة الدورية، بالإضافة إلى جانب ضعف الوعي المجتمعي بأهمية المنطقة؛ موضحة أنهم واجهوا صعوبة كبيرة في إقناع بعض الملاك والمستأجرين بأهمية الترميم، لأن كثيرًا منهم لم يكن يدرك أن المبنى الذي يعيش أو يعمل فيه، هو جزءٌ من ذاكرة المدينة، بالإضافة إلى النقص في الخرائط الأصلية، والبيانات الدقيقة، ما اضطرهم للاعتماد على المسح الميداني، والتوثيق البصري؛ لإعادة تشكيل الرؤية التاريخية للمكان.

استعادة الدور الحضاري

وأردفت أستاذ العمارة والتصميم العمراني، أن جهود الترميم أثمرت عن تغييراتٍ ملحوظة في المظهر العام للمنطقة، كما ساهمت في إعادة إحياء القيمة الجمالية والثقافية لها، وأصبح وسط القاهرة أكثر جذبًا للزوار، وبدأت تعود إليه الحياة تدريجيًا عبر الفعاليات الثقافية والفنية، والمعارض، والمهرجانات التي تفتح أبوابها للجمهور في الشوارع والمباني التاريخية؛ قائلة: “لم نكن نرغب في تحويل المنطقة إلى متحفٍ، بل إلى فضاءٍ حضاريٍ حيٍ، يعكس الماضي، لكنه ينفتح على الحاضر والمستقبل، وقد بدأنا نلمس تغيرًا في سلوك الناس تجاه المباني والشوارع، واهتمامًا أكبر من الدولة والمجتمع المدني”.

واختتمت د. سهير حواس، أن تجربة ترميم القاهرة الخديوية يمكن أن يكون نموذجًا لتكرارها في مناطقٍ أخرى داخل القاهرة؛ مثل: “شبرا، مصر الجديدة، والمعادي القديمة”؛ مشيرة إلى ضرورة دمج مشروعات الترميم ضمن رؤية تنموية أوسع، تشمل الثقافة والاقتصاد والسياحة، فالترميم التراث ليس رفاهية؛ بل ضرورة حضارية، والمدينة التي تفقد ذاكرتها، تفقد هويتها، ونحن نريد لقاهرة اليوم أن تظل المدينة تُعرف من أين جاءت، وإلى أين تتجه.

فالقاهرة الخديوية اليوم ليست فقط شهادة على تاريخٍ مضى؛ بل هي مشروعٌ مفتوحٌ لاستعادة روح مدينة كانت في طليعة العالم يومًا ما، وبين التخطيط القديم والترميم المعاصر، تقف هذه المنطقة كبوابةٍ، تربط بين الحداثة والتاريخ، وتُعيد تعريف العلاقة بين المواطن والمدينة.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *