#تحقيقات وحوارات

“سقارة”.. قصة أول مهندس عرفه التاريخ ..وأول هرم ومعجزة “السرابيوم ” الهندسية   

 

كتبت: ياسمين عبدالنبي

تُعد منطقة سقارة واحدة من أهم وأشهر المواقع الأثرية في مصر، حيث تضم عددًا كبيرًا من الآثار التي تعكس عظمة وعبقرية المصريين القدماء في فنون العمارة والنحت والدين، وهي جزء من منطقة منف، والتي تم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 1979.

الأهمية التاريخية لسقارة

 تضم المنطقة  عدداً كبيراً من الآثار المصرية القديمة، منها هرم الملك زوسر المدرج أقدم بناء حجري ضخم في التاريخ من عصر الأسرة الثالثة، وأهرامات عدد من ملوك الأسرتين الخامسة والسادسة وأهمها هرم الملك أوناس أول من نقش غرفة دفنه بنصوص الأهرام، و ملوك وكبار موظفي الأسرتين الأولى والثانية ومجموعة هائلة من مقابر كبار الأفراد من الدولة القديمة. كما ضمت مقابر ترجع لعصر الانتقال الأول، مروراً بمقابر أفراد الدولتين الوسطى والحديثة. كما تضم المنطقة، مدفن العجل المقدس أبيس (السرابيوم)، الذي استمر استخدامه منذ عصر الأسرة الثامنة عشر حتى العصر البطلمي.

دير الأنبا أرميا ومتحف إيمحتب

تضم المنطقة أيضاً آثاراً قبطية، منها دير الأنبا أرميا. كما تضم  متحف إيمحتب في أبريل 2006 بالمنطقة، ليضم مجموعة من القطع الأثرية المكتشفة بسقارة، ويعرض نموذج لمجموعة زوسر الأثرية، بالإضافة إلى تصميم إحدى قاعاته على شكل مقبرة كاملة يُعرض بها مومياء وتابوت خشبي وعدد من الأواني المصنوعة من الفخار والمرمر.

 يضم المتحف كذلك مكتبة المهندس الفرنسى جان فيليب لوير الذي كرس حياته لترميم مجموعة الملك زوسر الهرمية، وقد أُختير للمتحف هذا الاسم نسبةً إلى وزير الملك زوسر والمعماري الذي قام ببناء مجموعته الهرمية  و تم إغلاق المتحف حاليا للترميم.

هرم زوسر المدرج

من أبرز المعالم في سقارة هو هرم الملك زوسر المدرج، الذي شيد خلال القرن 27 قبل الميلاد بواسطة المهندس العبقري إمحوتب، مستشار الملك، ويُعتبر هذا الهرم أول بناء حجري ضخم في التاريخ، ويبلغ ارتفاعه نحو 60 مترًا، ويتكون من ست مصاطب متدرجة.

وكان هرم زوسر نقطة تحول مهمة في تاريخ العمارة المصرية، حيث انتقل المصريون من بناء المصاطب المسطحة إلى بناء الهياكل الهرمية، ويحيط بالهرم مجمع جنائزي ضخم، يضم معابد احتفالية وفناءات استخدمت في الطقوس الدينية للملك المتوفى.

مقابر النبلاء  

تضم سقارة أيضًا مجموعة من مقابر النبلاء والكهنة وكبار المسؤولين، مثل مقبرة تي، التي تعود إلى أحد كبار رجال الدولة في الأسرة الخامسة، وعند دخولك هذه المقابر، تشعر وكأنك عدت آلاف السنين إلى الوراء، حيث تزين الجدران نقوش ملونة تحكي مشاهد من الحياة اليومية، مثل الصيد والتجارة، ولا تزال ألوانها زاهية رغم مرور الزمن.

ومن أبرز هذه المقابر أيضًا مقبرة بتاح حتب، كاهن ومستشار ملكي في الأسرة الخامسة، والتي تصور جوانب رائعة من الحياة الاجتماعية في مصر القديمة.

سرابيوم سقارة

ويُعد “سرابيوم” سقارة من أكثر المواقع غموضًا وإثارة، وهو ممر طويل تحت الأرض يحتوي على مجموعة من التوابيت الحجرية الضخمة، كانت هذه التوابيت مخصصة لدفن العجول المقدسة “أبيس”، التي كانت تُعبد كرمز للإله “بتاح” في مصر القديمة  وبعض هذه التوابيت يزن أكثر من 60 طنًا، ما يثير الإعجاب بقدرة المصريين القدماء على تنفيذ مثل هذه الأعمال الضخمة.

هرم تيتي ونصوص الأهرام

ومن الأهرامات المهمة في سقارة أيضًا هرم الملك تيتي من الأسرة السادسة. تكمن أهميته في احتوائه على أقدم نصوص دينية معروفة، وهي “نصوص الأهرام”، التي كُتبت داخل الهرم لتوجيه روح الملك في العالم الآخر.

اكتشافات حديثة مستمرة

ولا تزال سقارة تكشف عن المزيد من الأسرار بفضل الاكتشافات الأثرية الحديثة، ففي السنوات الأخيرة، تم العثور على العديد من المقابر، والتماثيل، وورش التحنيط، بحالة ممتازة من الحفظ، وتخص كبار المسؤولين والكهنة، مما يزيد من فهمنا للحياة والمعتقدات في مصر القديمة.

كنز لا ينضب

وتبقى سقارة شاهدًا حيًا على عبقرية المصريين القدماء، بجدران تنبض بالحكايات وتبوح بأسرار دفنتها الرمال. ولا تزال آثارها تثير الدهشة، وتدعونا لاكتشاف المزيد من فصول حضارة عظيمة لم تكشف عن كل أسرارها بعد. فهل ستبوح لنا الأيام بما تخفيه سقارة من لغز جديد يضيف فصلاً آخر إلى قصة الحضارة المصرية؟

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *