#مقالات رأى

وقل اعملوا.. محمد فريد خميس.. يكتب

( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ )
واحدة من روائع القرآن الكريم ، المؤكدة على المكانة العظيمة للعمل ، وعلي مقامه الرفيع ، فالعمل شرف ، العمل كرامة ، العمل عبادة .
فبالعمل تتقدم الأمم ، وترتقى المجتمعات ، وبالعمل تتحقق الآمال ، وتتحول الأحلام إلى حقائق واضحة للعيان .
وشهر رمضان الكريم ، هو لاشك ، أعظم الشهور على الإطلاق ، فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، الشهر الذى يتجلى الله تعالى فيه على عباده بالرحمات والنفحات والفيوضات ، فيعفو عن كثير .
شهر يسعي فيه الناس جميعاً إلي الله ، وفى تقديرى أن أعظم ما يتقرب به الإنسان إلى ربه ، فى هذه الأيام الطيبة ، المزيد من العمل ، وهنا أقسم العمل نفسه قسمين ، عمل للروح والوجدان ، بالصلاة والصيام وتلاوة القرآن ، وغير ذلك من جميل العبادات ، المتقرب بها إلى الله تعالى ، وعمل آخر ، عشت عمرى كله مؤكداً على ضرورته ، بل حتميته ، وهو العمل من أجل الإعمار والإنتاج ، وهنا أنحنى احتراماً لكل من جمع بين هذين الحسنيين ، فتراه في ميدان عمله ، صانعاً ماهراً منتجاً أميناً ، حريصاً على الإجادة ، محافظاً على وقته ، وأوقات الآخرين ، غير مضيع لحقوقهم عليه ، ثم إذا حلت أوقات راحته ، تحولت هذه الطاقة كلها إقبالاً على الله تعالي ، رجاءً في مغفرته ، وطمعاً فى رضاه . وهو لاشك إقبال صادق ، إقبال من أدى بصدق حق الناس عليه ، ثم أقبل مسروراً ليؤدي بصدق ٍ كذلك حق الله عليه ، إننى أتصوره يقيناً ، إنساناً نقياً تقياً ، صفت نفسه ، فاستُجيبت دعوته ، إذ أدرك تماماً حقيقة العبادة ، فهى ليست هروباً من مسئولية ، وتفريطاً فى أمانة ، بل هى راحة للضمائر ، وبحثاً عن الحلال فى لقمة العيش .
إن أجمل لحظات حياتى تلك التى أقضيها مستمعاً إلى صوت آلات المصانع ، قد يراها البعض ضجيجاً ، وأراها ابتهالاً وعبادة وتسبيحاً ، للمولى جل شأنه ، الذى أمرنا جميعاً بالسعى فى الأرض لإعمارها واستخراج خيرها ، لأن اليد العليا خير من اليد السفلى ، ولأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة ، ولأن الأمر بالعمل لم يستثن َمنه أحد ، حتى الأنبياء والمرسلون ، فقد عمل آدم بالزراعة ، وداود بالحدادة ، ونوح بالنجارة ، وأدريس بالخياطة ، وصالح بالتجارة ، وعيسى بالصباغة ، ومُحمد برعى الغنم والتجارة ، وكان من هديه (ص) الدعوة المستمرة إلى العمل ، بل إلى إجادة العمل : إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ، كما قال (ص) : ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده .
ولما مر أمامه ( ص ) وأمام أصحابه ، شاب جلد قوى ، قال الأصحاب رضوان الله تعالى عنهم جميعاً : يا رسول الله ، لو كان هذا فى سبيل الله ، فقال المعلم العظيم : إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً ، فهو فى سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين ، فهو فى سبيل الله ، وإن كان خرج على نفسه يعفها ، فهو فى سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة ، فهو فى سبيل الشيطان .
إن العالم يتسارع من حولنا ، والبلاد تتنافس فيما بينها ، لتتبوأ مكانة أفضل ، بالعلم والعمل .
ولقد ناديت كثيراً فى الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين ، برفع الحد الأدنى للأجور ، وذلك حرصاً على الاستقرار المجتمعى ، نظراً لارتفاع تكاليف المعيشة ، وأوصيت بالسعى الفورى نحو تفعيله ، كما ناشدتُ جميع زملائى ، رجال الصناعة والإنتاج والأعمال فى مصر ، بتحقيق ذلك ، لضمان الأداء المتميز للعامل ، وتحقيق العلاقة الطيبة بينه وبين شركته ، وكذلك علاقة الحب بينه وبين الآلة ، والتى تؤدى من ناحية إلى زيادة الإنتاج ، ومن ناحية أخرى إلى حلٍ ، ولو جزئى لمشكلة العامل الاقتصادية ، تحقيقاً لهدف العدالة الاجتماعية .
وأنادي كذلك ، وفي الوقت نفسه ، بالمزيد من العمل ، فى رمضان وفى غيره ، فهو السبيل لمستقبل أفضل ، هو السبيل لاقتصاد أقوى ، هو السبيل لسلعة منافسة ، هو السبيل لعملة متماسكة .
إننى أشعر بسعادة كبيرة لما أرى جهود المسئولين لا تتوقف ، بدايةً من السيد الرئيس ، ورئيس الحكومة مروراً بالوزراء والمحافظين ،؟وصولاً إلى رؤساء الهيئات وكبار الموظفين ، هى رسالة شديدة الوضوح أنهم يبدأون بأنفسهم ، داعين الناس جميعاً إلى مساندتهم ، بشراكة حقيقية فى عملية البناء .
إن مصر عظيمة ، فاض خيرها فى أحلك الأوقات ، على الدنيا كلها ، وصف ربنا خزائنها بأنها (خزائن الارض) لأنها كانت أرضاً للعمل والكفاح والصبر وإنكار الذات ، فاطعمت بلاداً كانت جائعة ، وكستها وكانت عارية ، كانت هذه مصر ، التى نفاخر بها على الدوام ، هى مصر التى نتمناها ، وهى مصر التى يجب أن نتبناها .

رَحِمَ اللهُ نصيرَ العمالِ ، رائدَ الصناعةِ المصريةِ ، الأستاذ محمد فريد خميس ..
في يومِ عيدِ العمالِ ، أُعيدُ نشرَ مقالِه ، عن العملِ ، بصحيفة الأهرام ..

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *