#مقالات رأى

من وحي القلم..وماتَ رَكلاً بالأقدامِ

عادل اليماني

د ـ عادل اليماني

«نحْنُ قَوْمٌ اعْزِنا اللَّهُ بِالْإِسْلَام ، فَإِن ابْتَغَيْنَا الْعِزَّةَ بِغَيْرِهِ اذْلَّنَا اللَّه» .. هكذا قالَ الفاروقُ عمرُ بنُ الخطابِ، رضى اللهُ عنه وأرضاه ..

والإسلامُ لا يؤخذُ بعضُه، ويُتركُ الآخرُ، الإسلامُ كاملٌ متكاملٌ، بكمالِه يسعدُ البشرُ ، وتستقرُ حياتُهم ، وتطمئنُ نفوسُهم : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..»

إنْ أردتَ الْعِزَّةَ والقوةَ ، فاعلمْ أنَّ منهجَ اللهِ أمرٌ، وليس اختيارا، وقد أكدَ اللهُ فى القرآنِ الكريمِ، أنْ الْعِزَّةَ خُلقٌ من أخلاقِ المؤمنين، التى يجبُ أن يتمسكوا بها، ويحرصوا عليها: «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ..»

الشرطُ إذن أنْ يكونَ الناسُ مؤمنين ، لا مسلمين ، وحتى يكونوا كذلك «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ..» نفذِ الأوامرَ ، واجتنبْ النواهي، ولا تتبعِ الْمُشْرِكِينَ.

«فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ..» لا كما تري، أو كما يتناسبُ لكَ، أو كما تقتضى متطلباتُ الواقعِ الذى تعيشُه ..

قالَ اللهُ عن عبادِه الأخيارِ : «أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ..» وقالَ سُبحانَه: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ..» ، ونهى ربُّنا المؤمنينَ عن الخضوعِ والذِلةِ ، وربطَ ذلكَ بالإيمانِ نفسِه: «وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .. » ، والْعِزَّةُ فى الأساسِ، كُلُّها للهِ تَعَاَلي: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ..»

إنَّ من العِزَّةِ ألا يَذِلَّ الإنسانُ إلا بَيْنَ يدَيْ رَبِّه سُبحانَه، ويفوِّضَ الأمورَ كُلَّها إليه، ويستسلِمَ بَيْنَ يدَيه، ويعتَرِفَ بفضلِه ونعمتِه ، ويَشكُرَه عليهما، ويذكُرَه ويستغفرَه كثيراً، ويراقِبَه فى السِّرِّ والعَلَنِ . يومَ دخلَ هولاكو بغدادَ ، قتَلَ العُلماءَ والقضاةَ والتُجارَ، وقالَ لجنودِه: أبقوا المستعصمَ حَياً، حتى يدُلَنا على أماكنِ كنوزِه، وذهبَ المستعصمُ معهم، ودلْهم على مخابئِّ الذهبِ والفضةِ والنفائسِ، وكُلِّ المقتنياتِ الثمينةِ ، داخلَ قصورِه و خارجَها، و منها ما كانَ يستحيلُ أنْ يصلَ إليه المغولُ بدونِه، حتى إنَّه أرشدَهم إلى نهرٍ مطمورٍ، من الذهبِ المصبوبِ والمتجمدِ، لا يعلمُ أحدٌ بمكانِه ، فقالَ له هولاكو : لو كُنتَ أعطيتَ هَذَا المالَ لشعبِك، لحموك منيِّ .

لم يبكِ المستعصمُ على الكنوزِ والأموالِ، ولكنَّه بكى حينَ أخذَ هولاكو يستعرضُ الجواريَّ الحِسانَ، وعددُهن 700 زوجةٍ وسُرّيّةٍ ، وألفُ خادمةٍ، وأخذَ الخليفةُ يتضرعُ إلى هولاكو ، قائلاً: مُنَّ عليَّ بأهلِ حَرميِّ، اللائى لم تطلعْ عليهُن الشمسُ والقمرُ . ضَحِكَ هولاكو، من قَولِ المستعصمِ ، وأمرَ أنْ يضعوه فى شوالٍ (كيسٍ من الخيشِ) وأمرَ جنودَه بأنْ يضربوه، رَكلاً بالأقدامِ، حتى الموتِ .

يقولُ المؤرخون: إنَّ ما جمعَه بنو العباسِِ فى خمسةِ قرونٍ، أخذَه هولاكو فى ليلةٍ واحدةٍ .

ماذا لو كانَ المنهاجُ : «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ..»

الإجابةُ : لبقى المسلمون قادةً للأممِ ، صُناعاً للحضاراتِ وما ماتَ بعضُ قادتِهم قهراً وذُلاً ، ورَكلاً بالأقدامِ !

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *