#مقالات رأى

الحشاشين: صورة عالمية بصياغة فنية

بقلم- د. نسرين عبد العزيز:

دائما ما تجذب الدراما التاريخية الجمهور ويحرص على مشاهدتها ومتابعة حلقاتها بشغف ووعى كبير، فارتبط توقيت عرضها بشهر رمضان الكريم بنسبة كبيرة، وكانت المكون الرئيسى فى الوجبة الدرامية الرمضانية، إلا أن لظروف عدة غابت هذه النوعية من الدراما عن الساحة بعض الشيء، خاصة بعد رحيل كبار كتابها وما يتمتعون به من ثقافة وثراء فكرى وبراعة فى حكى وسرد الأحداث، وتحقيق المزج بين الواقع التاريخى والرؤية الدرامية بما لا يخل بالحقائق وتزييف الأحداث، وهى معادلة صعبة ولكن استطاع كتابنا تحقيقها، وفى الفترة الأخيرة حدثت صحوة لهذه النوعية من الدراما من جديد، وتم إنتاج العديد من الأعمال التاريخية المتنوعة فى أفكارها وموضوعاتها، وبعيدا عن الاختلاف فى وجهات النظر بين كون الدراما هى إحدى أدوات التوثيق التاريخى، أو أنها تقدم التاريخ برؤية درامية قد تزيف بعض الحقائق، إلا أنه فى نهاية المطاف الدراما التاريخية لها طابع منفرد ومختلف فى الإخراج والأداء والحبكة ومواقع التصوير والملابس وخلافه، فهى تلعب دورا مهما فى مخاطبة عقول الجمهور وحثهم على المطالعة والقراءة والبحث فيما تقدمه .

وقد أطل علينا الفنان كريم عبدالعزيز منذ بداية شهر رمضان الكريم فى مسلسل «الحشاشين» الذى تصدر الترند فى مواقع التواصل الاجتماعى فور عرضه، ولفت أنظار الجمهور وتابعيه على القنوات الفضائية والمنصات الرقمية بشكل كبير، فقصة العمل ارتبطت بجماعة الحشاشين التى أرعبت العالم فى العصور الماضية ونشرت الظلام والفوضى والتلاعب بالدين، وهو النهج الذى وضعه زعيمهم حسن الصباح الذى قام بتخديرهم تحت مبدأ السمع والطاعة ودفعهم نحو الكثير من الاغتيالات والجرائم بدعوى تحقيق العدالة، ودخول الجنة المزعومة وأنه لديه تفويض إلهى، فقد قامت هذه الجماعة بقتل عدد كبير من قيادات الجيوش الإسلامية والمسيحية، فأظهر المسلسل تأثير حسن الصباح الكبير على أنصاره وأتباعه باستخدامه نهج آليات السمع والطاعة التى وصل فيها الحد إلى الانفصال عن إرادتهم كلية، فإذا طُلب منهم قتل أنفسهم فالطاعة والسمع هى الإجابة.

فجماعة الحشاشين أثارت الكثير من الجدل فى كتب التاريخ والروايات، وهى تتحدث عن نهج تتبعه الجماعات الإرهابية ذات المذهب الإسماعيلى، ولذا فقد كان من الأهمية أن يتعرف الجمهور عليها، فالبعض منا لم يعرف عنها شيئا، أو سمع عنها من قبل.

ومن أسباب استحواذ المسلسل على اهتمام ومتابعة الجمهور، بالإضافة إلى أهمية الموضوع المتناول هو الاختيار الجيد والموفق لفريق العمل ، ما بين بطل العمل الفنان كريم عبدالعزيز المبدع المتملك من أدواته، ولديه الحنكة فى توظيف إمكاناته الفنية بشكل متميز حتى يجسد شخصية الصباح بجميع تحولاتها الفكرية والنفسية والانفعالية دون أن يتعاطف معها الجمهور أو يقتنع بفكره ومذهبه، قادرا على تقديم التحول فى الشخصية من الزيف المطعم بالدعوة وادعاء تحقيق العدالة فى الظاهر إلى الباطن الحامل لكل المعتقدات العنيفة والاعتناقات الإرهابية، متحكما فى لغة الجسد ونبرة الصوت ينقلنا من حالة لحالة بسلاسة وسهولة، مع فريق عمل من الممثلين ذوى الآداء الخاص غير النمطى، وفى مقدمتهم الفنان فتحى عبدالوهاب، بالإضافة إلى مؤلف مبدع لديه مهارة فى رسم شخصياته والسرد التاريخى الشيق وكتابة حبكة قوية لأحداثه وهو عبدالرحيم كمال، والصورة المبدعة عالية التقنية والمبهرة المنافسة للدراما العربية والعالمية لحسين عسر، وإخراج واع منفرد لبيتر ميمى، الذى يجيد اختيار شخصيات أعماله الرئيسية والثانوية، المتمكن من تفاصيل الرواية التى يطرحها بعمق شديد، بأسلوب فنى احترافى وشيق.

مع الاهتمام بتقنيات السرد القصصى ووجود الراوى الذى أضاف للعمل كثيرا ممهدا لأحداث كل حلقة رابطا بينها وبين ما سبقها فى الأحداث السابقة؛ حتى يحافظ على ربط المشاهد بالخط الدرامى للعمل وعدم الانفصال عنه. فتحية وتقديرا لفريق عمل مسلسل الحشاشين …مسلسل ساحر بصورة عالمية ذات صياغة فنية عالية المستوى والأداء حركت فضول المشاهدين للبحث عن مرحلة تاريخية مهمة قد يكون لها أثر فى حاضرنا ومستقبلنا.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *