د. رامي عطا صديق يكتب:

مناسبة مهمة تستحق التوقف كثيرًا بمزيد من التحليل والتأمل في مسيرة الإنسانية ونضال البشر نحو الحقوق، ففي العاشر من ديسمبر الجاري يكون قد مرت خمسة وسبعون عامًا على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذى صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948م، بعد نحو ثلاث سنوات من تأسيس الأمم المتحدة في عام 1945م، وهى الجمعية الدولية التي تأسست بهدف الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين، وحماية حقوق الإنسان، والتمسك بالقانون الدولي.

تكون الإعلان من ثلاثين مادة، تنوع مضمونها بين حقوق سياسية ومدنية واقتصادية واجتماعية، تؤكد جميعها معانى الحرية والحق والعدل والمساواة والكرامة الإنسانية وغيرها من قيم نبيلة وأهداف سامية ومعايير مشتركة ينبغي أن تستهدفها كافة الشعوب، وحسب موقع الأمم المتحدة، فإن «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يُعد وثيقة تاريخية مهمة في تاريخ حقوق الإنسان- صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم»، «وهو يُحدد، وللمرة الأولى، حقوق الإنسان الأساسية التي تتعين حمايتها عالميًّا»، وقد تُرجمت تلك الحقوق إلى نحو 500 لغة من لغات العالم، منها اللغة العربية، فقد نُشر هذا الإعلان في كثير من المؤلفات والإصدارات، وأصبح مُتاحًا على شبكة الإنترنت.

وقد ألهم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومهد الطريق لاعتماد أكثر من سبعين معاهدة لحقوق الإنسان، فمع الوقت صدرت عهود ومواثيق واتفاقيات تتضمن مجموعة من الحقوق الفرعية، أو الحقوق النوعية، مثل العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية- 1966م، وهو يتكون من «53» مادة، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية- 1966م، وهو يتكون من «31» مادة، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة- 1979، وهى تتكون من «30» مادة، واتفاقية حقوق الطفل- 1989م، وهى تتكون من «54» مادة، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة- 2021م، وهى تتكون من «50» مادة، وغيرها من مواثيق واتفاقيات دولية.

وإذا كانت تلك الحقوق قد تم إقرارها- ومنذ سنوات- في مواثيق دولية وإقليمية ومحلية/ وطنية، من خلال النص عليها في الدساتير والقوانين، فإنه يتبقى دائمًا تحويل تلك الحقوق إلى ثقافة عامة وواقع معيش، في حياة المواطنين/ البشر/ الناس، بحيث تؤمن بها الأنظمة الحاكمة، ويؤمن بها المواطنون ويمارسونها على كافة المستويات ومختلف الأصعدة.

على المستوى المحلى أو الوطني يبرز دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ونبدأ بمؤسسة الأسرة من حيث التعامل بين أفرادها والتعاليم والنصائح والخبرات التي ينقلها الآباء والأمهات إلى الأبناء، والمؤسسات الدينية في الخطاب الديني والأنشطة، والمؤسسات التعليمية من خلال المناهج الدراسية والأنشطة الطلابية، والمؤسسات الثقافية في الندوات والمؤتمرات وإصدارات الكتب والمؤلفات، والمؤسسات الفنية في الأغاني والأعمال الدرامية، والمؤسسات التشريعية من خلال تشريع وسن القوانين اللازمة لحماية الحقوق، والمؤسسات الإعلامية عبر استثمار دورها في نشر الوعى وبناء الإنسان روحيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، بالإضافة إلى أنشطة وفعاليات منظمات المجتمع المدني.

وعلى المستوى الإقليمي والدولي من خلال تعاون وتكاتف مختلف الأنظمة والمؤسسات الإقليمية والدولية حتى لا تكون تلك الحقوق مجرد حبر على ورق، وحتى لا تتحول إلى مجرد اجتهادات لا منفعة منها، ولا طائل من إقرارها والتوقيع عليها واعتمادها!!.

والغريب حقًّا أنه في نفس عام صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر 1948م) كان وقوع الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين (14 و15 مايو 1948م)، مع استمرار انتهاكات صارخة بحقوق الإنسان!! ففي العدوان الأخير على غزة، وفى تقديرات نشرتها وسائل الإعلام، نهاية نوفمبر الماضي، استُشهد أكثر من «15» ألف شخص، بينهم أكثر من «6150» طفلًا وطفلة، ونحو «4» آلاف امرأة، وأُصيب أكثر من «36» ألفًا، من بينهم نحو 75% من الأطفال والنساء، كما أفادت الأنباء المنشورة في عدد من الصحف والمواقع الصحفية بأنه لا يزال نحو «7» آلاف فلسطيني مفقود تحت الأنقاض أو أن مصيرهم مجهول، بينهم أكثر من «4700» طفل وامرأة!!، فضلًا عن استشهاد أكثر من ستين صحفيًّا في العدوان على غزة، ما يُعد انتهاكًا صارخًا في حق حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام.

والسؤال الآن: هل يتحرك المجتمع الدولي بهيئاته ومنظماته ومؤسساته لوقف نزيف الدم، ووقف هذا العدوان الصارخ وغير الإنساني على غزة وغيرها من أراضي فلسطين المحتلة؟