#مقالات رأى

توظيف الصور في تغطية أحداث العنف

 

د. رباب عبد الرحمن

 

شهدت جميع المجتمعات تنامي ظاهرة العنف نتيجة العديد من التحولات والتغيرات التي يمر بها العالم بأسره، وامتدت هذه التحولات إلى المجتمع المصري، وامتدت تأثيراتها إلى عمق الشخصية المصرية، فأصبحت أكثر ميلا للعنف بكافة أشكاله سواء كان عنفا لفظيا، أو جسديا، أو معنويا.

وساهمت وسائل الإعلام سواء التقليدية أو الرقمية في انتشار العنف المجتمعي، حيث احتلت أحداث ومشاهد العنف مساحةً واسعةً بالقنوات المصرية والمنصات الرقمية، على مستوى كافة مضامين وأشكال المحتوى بما فيها الأخبار والدراما والكارتون، وأصبحت مادة ثرية ومثيرة بما يحقق لها مشاهدة جماهيرية عريضة، واهتمت هذه المضامين بالصورة اهتمامًا كبيرًا في تقديمها لأحداث العنف، واستغلت بعض القنوات التليفزيونية الصور الحصرية أيا كان مصدرها أو درجة مصداقيتها لتحقيق نسب مشاهدة عالية، وللاستمرار في حلبة المنافسة.

وفي ظل تلك المنافسة بين هذه الوسائل تجاهلت بعضها بقصد أو دون قصد المعايير المهنية في تقديم صور العنف، حيث تقوم بتقديم صور وفيديوهات تحوي لقطات لممارسات القتل والدماء، مما يؤذي أعين المشاهدين ويشكل انتهاكًا لكل الأعراف الإنسانية والأخلاقية والمهنية، ومع تكرار هذه الصور واللقطات تصبح معتادة بالنسبة لجمهور المشاهدين، مما قد ينتج عنه الوصول إلى مرحلة تبلد المشاعر لدى الجمهور.

وفي إطار هذا الأداء يحتاج الواقع الإعلامي إلى بلورة دليل مهني يرشد تقديم صور العنف، وكذلك الأساليب الإخراجية في عرض هذه الصور والمشاهد، بما يضمن تقديمها بشكل مهني وأخلاقي، ويشتمل هذا الدليل على العديد من المعايير والأبعاد التي تتمثل في عدم الإعلان عن أسماء وصور الضحايا أو أسرهم وخاصةً الأطفال، حيث يعد التصريح بأسمائهم وصورهم انتهاكًا صارخًا لحقوق هؤلاء الضحايا، وإحراجًا واضحًا لأسرهم وذويهم، خاصةً فيما يتعلق بحوادث الاغتصاب.

ويبدو أيضا ضرورة احترام المشاعر الإنسانية فى تقديم صور أحداث العنف بالمواد الإخبارية وبرامج الحوار التليفزيونية، وعدم إثارة المشاعر الإنسانية بالتركيز المتعمد على الجانب العاطفي، أو استغلال الأساليب الإخراجية كعرض الصور أكثر من مرة، أو انتقاء بعضها وإعادتها، أو استخدام عناصر الإبراز في التصوير والإخراج، مثل استخدام لقطات قريبة جدًا، صور أبيض وأسود، موسيقى حزينة مصاحبة، صدى صوت، عرض الصورة بشكل بطيء، رفع درجة الصوت في لقطات بعينها

وفي ظل الحرص على ثقافة التسامح يبدو من الضروري عدم تشويه أي فئة من خلال صور ومشاهد العنف، خاصة تلك المقدمة بالدراما والبرامج، حيث إن تكرار هذا التشويه يقدم صورًا سلبية عن هذه الفئة، ويكون رأيًا عامًا سلبيًا تجاهها. ويرتبط بذلك عدم تقديم صور أحداث العنف التي تؤدى إلى إثارة الأحقاد الفئوية والمشاعر الوطنية أو الدينية، التي يمكن أن تخلق حالة من عدم الاستقرار في المجتمع والاستقطاب والاتهامات المتبادلة، وأيضًا عدم عرض أسماء وصور المتهمين أو أسرهم في صور أحداث العنف، لأنه يُعد تشهيرًا بهم وإساءة لسمعتهم، خاصة إذا كانوا في مرحلة التحقيق ولم تثبت عليهم الجريمة.

نحتاج إلى الانتباه لعدم تقديم صور الدماء وجثث القتلى، لأنها تعد انتهاكًا لحرمة الموت، كما تصنف بأنها صور بشعة تؤذى مشاعر المشاهدين، وتؤدى مع تكرارها إلى اعتياد مثل هذه المشاهد وتبلد المشاعر، وفي حالة ضرورة تقديم بعض الأصوات أو الصور البشعة يتم وضع تحذير قبلها، أو استخدام الجرافيك والأساليب الفنية الأخرى بدلًا من الصور الحقيقية، بما يضمن احترام حقوق المشاهدين والحفاظ على مشاعرهم، وإرشاد الأسر إلى المضمون المرئي المحظور مشاهدته من جانب الأطفال.

ويبدو من المهم أيضًا عدم إذاعة ألفاظ نابية أو إشارات خادشة للحياء في صور ومشاهد العنف، وضرورة توظيف الأساليب الإخراجية لتحقيق ذلك، من خلال وضع مؤثرات على بعض الصور، أو على أجزاء من الصورة، أو صفارة على جزء من الصوت؛ للحفاظ على قيم وأخلاقيات المجتمع، وعدم إيذاء مسامع وأبصار المشاهدين. إلى جانب ضرورة أن تقدم الصورة التليفزيونية فى المضمون الدرامي أساليب أخرى لحل المشكلات غير استخدام العنف، واستخدام الأسلوب السلمي باعتباره الأسلوب الأمثل

الأمر يحتاج إلى الحذر من جانب صناع المحتوى التليفزيوني في تقديم صور ومشاهد العنف خاصة في الدراما والكارتون، وعدم تصوير العنف والموت بطريقة مضحكة تبلد مشاعر الجمهور خاصة الأطفال، وتجعلهم غير قادرين على التمييز بين العنف الحقيقي وغير الحقيقي.

ويبدو أيضًا أهمية مراجعة صور العنف بالبرامج والمحتوى الإخباري قبل تقديمها للتأكد من مصداقيتها، وذلك في إطار وجود بعض الأساليب الفنية الحديثة التى يتم توظيفها لتقديم صور مضللة كصور الفوتوشوب، في ظل استغلال بعض القنوات الصور الحصرية أيًا كان مصدرها أو درجة مصداقيتها لتحقيق نسب مشاهدة عالية، ويثير ذلك إشكالية الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي أو الموبايل كمصدر للصور، ومدى مصداقية هذه الصور وتقديمها للحدث كاملًا دون انتقاص منه.

ولا يمكن أن نغفل دور الإعلام في نشر ثقافة القانون والمحاسبة، والاهتمام بتوعية الأجيال الجديدة بضرورة  الحوار والنقاش البناء، وتقبل الرأي الآخر واحترام الاختلاف، وإبراز ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية خاصة للأطفال والمراهقين.

الأمر يحتاج إلى تفعيل التشريعات والميثاق الإعلامي، ووضع كود مهني خاص باستخدام الصورة، وألا يترك توظيف الصورة وفقًا للأهواء والرؤى الشخصية.

وكيلة المعهد الدولي العالي للإعلام بالشروق

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *