#تحقيقات وحوارات

مشروع “بوابة الدرعية” .. الاستدامة وجودة الحياة

بقلم :

د.م/ مي محمد متاريك

مدرس بقسم الهندسة المعمارية، بالمعهد العالي للهندسة بأكاديمية الشروق

mai.m.matareek@gmail.com

أ/ هند حسن عجمي

باحثة في مجال حفظ التراث وإدارة المواقع ومرشدة سياحية

hindhagamy31@gmail.com

ليالي نجد ما مثلك ليالي … غلاك أول وزد الحب غالي

ليالي نجد للمحبوب طيبي… أمانة نور عيني يا ليالي

تلك كلمات الشاعر خالد الفيصل آل سعود، تصف جمال ورونق ليالي هضبة نجد الساحرة، التي تحتضن وادي حنيفة، فعلى بعد ٢٠ كيلومتر شمال الرياض تظهر بوادر عبق التاريخ للدولة السعودية الأولى، ألا وهي منطقة الدرعية التاريخية، تلك المنطقة التي شهدت ميلاد الدولة السعودية الأولى على يد محمد بن سعود الجد الخامس للملك عبد العزيز آل سعود، بدعوة التجديد الديني لمحمد بن عبد الوهاب عام ١٧٤٤م، فأصبحت الدرعية قاعدة الدولة، ومقر للحكم والعلم، واستمرت بذلك المدينة الأشهر في جزيرة العرب، خلال القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين، فمع الدرعية جاء حلم توحيد المملكة بعد أعوام من التفكك، والفوضى، وانتشار البدع والخرافات، بدأ الإمام محمد بن سعود بتوحيد القبائل البدوية حول الدرعية، حتى وصل إلى الرياض؛ فضمها بعد حروب استمرت سبعةً وعشرون عامًا، حتى وافته المنية.

بعدها استكمل أولاده مشواره لتوحيد المملكة، الأمر الذي لفت أنظار الدولة العثمانية؛ خوفًا من انشقاق آل سعد عن الخلافة، فعانت الدولة السعودية حروبًا كثيرةً ضدهم، وأيضًا ضد القبائل المُجاورة، حتى جاء الملك عبد العزيز آل سعود عام ١٩٠٢م، ودخل مدينة الرياض وجعلها عاصمة الدولة السعودية الثالثة، بعد أن كانت “الدرعية” هي العاصمة الأولى والثانية للبلاد.

وما الدرعية إلا جوهرة المملكة وقلبها النابض، لذلك أطلق الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في نوفمبر عام ٢٠١٩م، مشروع “بوابة الدرعية”، الذي يُقام على مساحة ١،٥٠٠،٠٠متر مربع؛ ليكون مشروع سياحي ثقافي اقتصادي، هدفه إطلاق الوعي الثقافي والتراثي، الممزوج بين العمارة الحديثة، والعمارة النجدية الأصلية، أشرفت على المشروع مؤسسات معنية بالدولة، منهم: هيئة تطوير بوابة الدرعية، صندق الاستثمارات العام السعودي، وأيضًا هيئة التراث، وخصص مبلغ ٦٤ مليار دولار للإنفاق على المشروع.

وينقسم المشروع إلى ثلاثة أقسام رئيسية، “الدرعية ١”، وهي المنطقة التاريخية التراثية بأحيائها ومبانيها القديمة، التي تُعد أكبر مقر تُراثي ثقافي عالمي، مبني بحوالي ١٨٠ مليون طوبة طينية، حيث يوجد بها “قصر السلوى”، الذي تم إنشاؤه عام ١٧٦٥م، أيضًا يوجد مسجد الإمام محمد بن سعود، وقصر سعد بن سعود، الذي يُعد قصر التشريفات والاستقبال، كما يوجد به عدة متاحف، مثل: متحف الخيول العربية، والمتحف الحربي.

ومن جهة الشرق يوجد “حي البجيري”، الذي سيكون مكانا طبيعيًا للاستجمام، ومنتزهًا مفتوحًا الهايد بارك، بداخله ممشى يمتد حوالي ٣ كيلومتر، ومخصص بداخله مسارات للدراجات والخيول، مُطلًا على “وادي حنيفة” أكبر مجرى مائي بالرياض؛ حيث يبلغ طوله ١٢٠ متر، ويُعد من أكبر مصارف الأمطار والسيول.

كما يوجد “حي سمحان التاريخي”، الذي وفق مخطط بوابة الدرعية، سيقام عليه أكبر فندق تراثي يحمل الطابع النجدي الأصيل، ويتكون من ١٤١ غرفة مُطلة على وادي حنيفة، بالإضافة إلى أشهر المطاعم والمقاهي العالمية التي ستقام على أرض الحي.

أما “الدرعية ٢”، فستكون مخصصة للثقافة والفنون، وسيقام عليها حوالي ٤١ مؤسسة ثقافية من معاهد تخص تقنيات الذكاء الاصطناعي، والهويات البصرية، ومؤسسات للفنون التراثية، ومسارح عالمية، ودار أوبرا، كما ستكون هناك جامعة الملك سلمان المُخصصة لعلوم التراث والثقافة والعمران والسياحة، مما يخدم المشروع كليًا.

أما “الدرعية ٣”، فهي مُخصصة للمناطق السكنية الفاخرة، من خلال ٢٠ ألف وحدة سكنية وإدارية، والتي يستطيع من خلالها السعودية وغير السعوديين التملك والإيجار بداخلها، بالإضافة إلى إمكانية المستثمرين إنشاء وحداتهم الإدارية من أجل العمل الحر، سيخدم المناطق الثلاثة شبكة أنفاق تتمثل في خمس محطات مترو، بالإضافة إلى مواقف ذكية، بها شواحن كهربائية مُخصصة للسيارات الكهربائية في المستقبل، مما يخدم البيئة ويحافظ على الاستدامة بالمنطقة.

لقد حصلت هيئة تطوير بوابة الدرعية على الشهادة التأهيلية البلاتينية للريادة في تصميمات الطاقة والبيئة، المعتمدة من مجلس المباني الخضراء الأمريكي، كما قامت الهيئة بتقديم عدد من المبادرات لإدارة النفايات، والحفاظ على التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى مُراقبة البصمة البيئية، وأيضًا تكفلت الهيئة بدعم المشروع للحفاظ على الروح القديمة للدرعية، عن طريق تقليل انبعاثات الكربون في المنطقة فبحلول ٢٠٣٠م، ستكون الدرعية زيرو كربون، ووقع أيضًا برنامج “استدامة الطلب على البترول”، مذكرة تفاهم مع الهيئة يستهدف تعاون استراتيجي بموجبه تستخدم مواد بوليمرية مستدامة في مشروعات الهيئة، وأخيرًا وقعت الشركة عقد لتصميم الشبكات السلكية واللاسلكية التي سوف تغطي الألياف الضوئية، وسوف تستبدل أبراج المزودين بأبراج مموهة مُحسنة، تنسجم بشكل أفضل مع التصميم المعماري التراثي.

ويهدف مشروع الدرعية إلى: 

  • توعية الأجيال القادمة بأهمية تاريخ وتراث الحضارة النجدية في منطقة الدرعية.
  • أهمية العوائد الاقتصادية للمملكة العربية السعودية من جذب الاستثمارات.
  • فتح آفاق وأفكار للمصممين، لتنفيذها على مكان آثري مُميز، وتنفيذها باستخدام التكنولوجيا الحديثة على تطور الموقع.
  • تحويل منطقة الدرعية لمكان جذب عالمي؛ نظرًا لانضمامه لمنظمة اليونيسكو العالمية للتراث.
  • تكيف الزوار بيئيًا مع المنطقة، واستطالة مدة الجولة.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *