#مقالات رأى

من وحي القلم.. مَّوَدَّةُ وَرَحْمَةُ

بقلم- د. عادل اليماني:

«وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ..

الزواجُ آيةٌ من آيَاتِ اللهِ تَعَاَلي، يجبُ أنْ يتدبرَها الإنسانُ، ويُفكرَ فيها كثيراً ..

«لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا» .. وليسَ عندَها ، جمالٌ وروعةٌ وإبداعٌ، في البيانِ القُرآنيِّ، فالعبرةُ في السَكنِ، ليستِ الحوائطَ والجُدرانَ، واستقرارَ الجسدِ، إنَّما استقرارُ النفسِ، قبلَ الجسدِ، فكم من بيوتٍ مغلقةٍ علي أصحابِها، بلا أمانٍ ، ولا راحةٍ، ولا طُمأنينةٍ، والنفوسُ فيها حزينةٌ شاردةٌ .

«وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَة»ً .. وليسَ، وَجَعَلَ بَيْنَكُم حُباً!

فهل المَّوَدَّةُ وَالرَحْمَةُ، أقوي من الحُبِ نفسِه ؟

الإجابةُ التي قد يتعجبُ منها الكثيرون، نعم !!

فالمَّوَدَّةُ وَالرَحْمَةُ يشتملانِ يقيناً على الحُبِ، والعكسُ ليسَ صحيحاً بالضرورةِ . إذن الحُبُ نفسُه جزءٌ من المَّوَدَّةِ وَالرَحْمَةِ .

المَّوَدَّةُ وَالرَحْمَةُ، فيهما من المعاني ما ليسَ في الحُبِ، كالاحترامِ، والتسامحِ، والعفوِ، والعطفِ، والحنوِ، والكرمِ. الحُبُ يسكنُ القلبَ، وقد لا يظهرُ أثرُه، بينما المَّوَدَّةُ تظهرُ في السلوكِ، وعلى الجوارحِ. فالحُبُ عاطفةٌ فقط، أما المَّوَدَّةُ وَالرَحْمَةُ، سلوكٌ وعاطفةٌ معاً، والبيوتُ مسئوليةٌ، ولا تعْمُرُها العاطفةُ وحدَها .

الكُلُّ قادرٌ علي الحُبِ، بحُكمِ الفطرةِ، ولكنَّ القليلَ فقط، قادرٌ علي الرحمةِ .

المَّوَدَّةُ لا تُحركُها الشهوةُ فقط، بخلافِ الحُبِ، تحركُه الشهوةُ، و يمكنُ أنْ تقلبَ هَذِهِ الشهوةُ ، هَذَا الحُبَ عداءً ..

لو فرضنا أنْ الحُبَ الرومانسيَّ، هو الرابطُ الوحيدُ بينَ الزوجِ وزوجتِه، وكانَ أحدُهما عصبياً، أو عنيداً، أو شكاكاً، أو مزاجياً، أو أنانياً، فإنَّنا نتوقعُ ردةَ فعلٍ مؤلمةً، عندَ الغضبِ، ستكونُ لها نتائجُ عصيبةٌ، وغيرُ مُرضيةٍ ،لكنَّ الرحمةَ تُرقِقُ القلبَ، وتدفعُ نحوَ العطفِ والتروي، والمزيدِ من التفكيرِ، قبلَ اتخاذِ أيِّ موقفٍ أو قرارٍ، ومن ثم تُعطي قدرةً أكبرَ على معالجةِ الأمرِ، بل والمصالحةِ .

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لعَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ، قَالَتْ : قُلْتُ : وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً، قُلْتِ : بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ ، وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً ، قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ. قَالَتْ: قُلْتُ : أَجَلْ ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلَّا اسْمَكَ .

قمةُ الأدبِ في المعاملةِ، بينَ الزوجين، والاعتدالِ في الغضبِ، والحنوِ في العتابِ، والرُقي في الجوابِ. أشياءُ رائعةٌ، لا تصنعُها إلا المَّوَدَّةُ وَالرَحْمَةُ .

قالَ الصحابيُّ، أبو الدرداءِ، رضي اللهُ عنه ، لامرأتِه : إذا رأيتِني غضبتُ ، فَرَضِّني، وإذا رأيتُكِ غضْبَى، رضَّيْتُكِ، وإلَّا لِمَ نصطحبُ ..

صدقتَ أبا الدرداءِ، فالصُحبةُ أمانةٌ ومسئوليةٌ، تستوجبُ الرقةَ والتراحمَ والتماسَ الأعذارِ، وهَذِه أمورٌ قد لا يصنعُها الحُبُ ، فيما تصنعُها المَّوَدَّةُ وَالرَحْمَةُ .

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *