#مقالات رأى

الرق التكنولوجي

بقلم: محمد عبدالله

في عام 1995 نشر الكاتب الكندي “دوجلاس كوبلاند” روايته “عبيد مايكروسوفت” التي استوحى فيها أجواء شركة مايكروسوفت إبان مجدها في منتصف تسعينات القرن الماضي عندما رفع بيل جيتس شعار “المعلومات عند أطراف الأصابع” وكأنه يقول إننا وحدنا من سيصنع مستقبل العالم.

أبطال رواية  كوبلاند هم أشخاص لطفاء وبسطاء ـ كما هم السواد الأعظم من مستخدمي فيسبوك وتويتر ـ بدأوا تدريجيًا يلاحظون أن العمل يستغرق وقتًا أطول، وأن كل شيء يدور حول الشركة ووجودهم فيها، فيما بدا أنه نوع جديد من “الإقطاع الرقمي” أو “الرأسمالية التكنولوجية”.

ورأى مؤلف الرواية  في ذلك صورة للعبودية، لذلك سارع لإنقاذ أبطال روايته من أن يكونوا عبيدًا لمايكروسوفت، وهو ما دفع أحد أبطال روايته لأن يقرر مغادرة الشركة فورا ويرمي كل شيء ويبدأ عمله الخاص، يحلم بخلق شيء فريد وتغيير حياته للأفضل، كما ثارت بطلة القصة وأسرتها حين أدركت أنها أصبحت جزءًا من آلة  ينبعث منها ضوء “ماكنتوش الأزرق ” .

وقبل هذه الرواية  وفي عام 1949 صدرت رواية جورج أوريل “1984” التي كانت تناقش وتحكي عن مستقبل تسيطر فيه سلطة استبدادية عن طريق “شاشات الرصد” التي انتشرت في كل غرفة خاصة  وفي كل مساحة عامة، كان الحزب المُسيطر وقتها يستخدم تلك الشاشات في نقل الرسائل للعامة، ومراقبة النشاط المدني، فكانت تسجل الأصواتـ وتتعرف على الوجوه، وحتى تراقب تعابير الوجه لتحدد مدى انضباط المرء وولائه للحزب.

وقد خرجت من الرواية جملة خالدة هي” الأخ الأكبر يراقبك” وقد حققت شركات التكنولوجيا الكبرى نبوءة “جورج أورويل” بشكل مثالي، فـ”الأخ الأكبر” يُدار اليوم من وادي السيليكون، وليس من البلدان التي كانت شيوعية .

وفي ذات السياق التحذيري من عبودية التكنولوجيا  فقد صدرعام 2016 كتاب “الإنسان العاري: الديكتاتورية الخفية للرقمية” لمؤلفيه مارك دوجان وكريستوف لإبر، والذي كشف مدى هيمنة شركة “جوجل” على العقول.

وقد أطلق هذا المٌؤلَف إنذارا خطيرا على ما وصلت إليه “قوات تدخل عالم الإفتراضي” والتي سماها الكتاب: “الدكتاتورية الخفية للرقمية” من تحكم شركات “جوجل” و”فيسبوك” و”تويتر” عبر الشركات العالمية على عالمنا وعقولنا وطريقة تفكيرنا وسلوكنا ، فشركة اَبل وميكروسوفت وجوجل أو فيسبوك يمتلكون 80 بالمائة من المعلومات الشخصية الرقمية للإنسانية التي يطلق عليها المؤلفان “المنجم الذي يملك الذهب الأسود الجديد”.

يؤكد المؤلفان أن وكالة الأمن القومي الأميركية تطلع على كل حركة وكل تبادل إلكتروني وعلى كل لحظة في حياتهم اليومية  فنحن نعرف أن هناك جاسوساً في جيوبنا، هو الهاتف المحمول، يسجل بدقة تنقلاتنا ويرصد هوية كل الذين نحن في اتصال معهم وتتحكم  اَبل وجوجل وحدهما في 90 بالمائة من أنظمة استغلال كل الهواتف الذكية فوق الأرض.

وفي سبيل إكمال حلقات السيطرة فقد صرّح أحد مؤسّسي “جوجل”  لاري بيج، بأن الشركة تريد القضاء على الموت  وقد أسس شركة باسم “لايف كومبني”  وخطتها هي تمديد الأمل في الحياة بزيادة العمر الافتراضي للبشر عشرين عاماً إضافية من خلال محاربة الأمراض حتى يستمر استهلاك التكنولوجيا بصورة دائمة.

لقد أرغمت الثورة التكنولوجية بخوارزمياتها المتطورة البشرية على تقديم معلوماتهم الصحية والنفسية والفكرية طواعية ودون إكراه، حيث يتم تجميع هذه المعلومات الهائلة، لكي يراقب العالم ويوجه بحسب مصالح مُلاك الثروة الرقمية وتتجه البشرية نحو نموذج شرس للاستعباد التكنولوجي حيث لامكان فيه للأحرار طالما لم ينخرطوا بقوة في إنتاج التكنولوجيا ويتوقفوا عن كونهم مجرد مستهلكين .

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *