#مقالات رأى

النصر لمصر

 

بقلم د. عمرو المغربي

شاهدت منذ أيام فيلمًا يحمل اسم “”GOLDA، والمقصود هي جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل في حقبة حرب السادس من أكتوبر المجيدة عام 1973م، وهي من استغاثت بالولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تصرخ وتقول “إذا تركتمونا سيدمرنا الجيش المصري ويدخل تل أبيب“.

ويبرز الفيلم قوة الجيش المصري في استعادة أرضه المُحتلة، ومشاهد لا ينساها شعب الاحتلال على مر العصور الماضية والقادمة، وهي لحظات انكسار وهزيمة جيشهم الذي أطلقوا عليه  الجيش الذي لا يقهر؛ ولكن قوة وإرادة المصريين استطاعت تحطيمهم.

شعرت بالفخر وأنا أشاهد مشهد يوم ٨ أكتوبر بعد صدمة العبور التي تلقاها الجيش الإسرائيلي؛ لتقرر القيادة العامة للجيش الإسرائيلي الرد بهجوم بري شامل ومركز في محاولة لتدمير القوات المصرية التي عبرت القناة، والوصول مرة أخرى إلى خط بارليف، وتحرير الجنود المُحاصرين هناك، فقامت فرق المشاة والمدرعات المصرية بنصب كمين، وفوجئت القوة المُهاجمة بأنها وجدت نفسها داخل أرض قتل، والنيران المصرية تفتح ضدها من ثلاث جهات في وقتٍ واحدٍ، وكانت المفاجأة الأقوى أن الدبابات الإسرائيلية يتم تدميرها بمعدل سريع بنيران الدبابات المصرية، والأسلحة المضادة للدبابات والمدفعية.

وقامت القوات المصرية بالقضاء على ثُلثي القوات المُهاجمة “سقط تقريبًا ٢٠٠ دبابة من ٣٠٠”، لينتهي المشهد نهاية عبقرية، وبصوت عربي قوى جسور لأحد الضباط المصريين عبر اللاسلكي الإسرائيلي معلنا إبادة القوات الإسرائيلية المهاجمة بالكامل، لتنهار المرأة الحديدية.

وعندما طُلِب من  جولدا مائير أن تكتب مُذكراتها عن حرب أكتوبر قالت:” لن أشق على نفسي بالكتابة عن حرب أكتوبر 1973م، ولن أكتب عن الحرب من الناحية العسكرية، فهذا أمر أتركه للآخرين، لكني سأكتب عنها ككارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسي، وسيظل باقيًا معي على الدوام“.

ويعد “عساف ياجوري” أشهر أسير إسرائيلي؛ لكونه قائد كتيبة دبابات إسرائيلية، وكانت مهمته التصدي للقوات المصرية في القطاع المركزي في سيناء، وأصيب بالهلع والذعر عندما أصيبت دبابته إصابة مباشرة، ونشبت فيها النيران، ودمرت له ثلاثون دبابة خلال معركة دامت نصف ساعة، ولم يكن أمامه إلا القفز من دبابة القيادة ومعه طاقمها للاختفاء في إحدى الحفر لعدة دقائق، حتى وقعوا بعدها في الأسر بواسطة رجال القوات المُسلحة المصرية، وظلت هذه الدبابة المُدمرة في أرض المعركة تسجيلًا لتلك اللحظة يشاهدها الجميع بعد الحرب.

وقال عساف ياجوري في مذكراته: “أثناء فترة أسري كنت أقول لنفسي، ترى ماذا حدث لبقية زملائي، ترى هل وجدوا طريقهم إلى النجاة، وبعد عودتي من الأسر فوجئت بل أذهلني حجم الخسائر التي وقعت في صفوفنا، ومع ذلك لم تُعلن حتى الآن الأرقام الحقيقية للخسائر، أنا حائر وحيرتى بالغة، كيف حدث هذا لجيشنا الذي لا يقهر وصاحب اليد الطولى والتجربة العريضة؟ كيف وجدنا أنفسنا في هذا الموقف المُخجل؟ أين ضاعت سرعة حركة جيشنا وتأهبه الدائم؟ 

جاء نصر أكتوبر في ظروف سياسية، واقتصادية، واجتماعية بالغة الصعوبة، وكان البطل فيها هو الجيش والشعب، وجاء النصر لمصر بجهود أبنائها الأبطال البواسل الذين فدوا مصر بأرواحهم، ومازال أبناء هؤلاء الأبطال يقدمون أرواحهم في حب أم الدنيا، والتي ستصبح “قد الدنيا” بفضل جهاد وكفاح أبنائها في كل المجالات.

وسيظل نصر حرب أكتوبر عام 1973م، إنجازا عظيما لمصر، وتجربة قوية للشعب المصري والعالم العربي، ويعد نموذجًا للصمود والعزيمة والقدرة على تحقيق الأهداف الوطنية بوحدة الصف والعمل المشترك، مذكرًا الأجيال القادمة بأهمية العزيمة والصمود في وجه التحديات، وضرورة الوحدة والتعاون لتحقيق الأهداف الوطنية والعربية الكبرى.

وستظل مصر عظيمة بجنودها، وعمالها، وعلمائها، وستظل شامخة على مر التاريخ بجيشها وشعبها، ودائمًا النصر لمصر.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *