#مقالات رأى

لجنة لليوبيل

 

د. رامي عطا

Ramyatta610@yahoo.com

مصر دولة عظيمة وعريقة، صاحبة تاريخ طويل ومجد تليد، فهي من أوائل وأقدم الدول التي تكونت في العالم، حيث استقر شعبها حول نهر النيل، فعرف المصريون الزراعة والبناء والتشييد، وأقام حضارة عظيمة، لازلنا نكتشف آثارها إلى اليوم، ويتباهي بها المصريون بين شعوب العالم، ولم تكن مصر “هبة النيل” فحسب كما قال المؤرخ اليوناني هيرودت، لكنها أيضًا- بل وفي الحقيقة- “هبة المصريين” حسبما يذهب محمد شفيق غربال وبهذا العنوان يفتتح كتابه المتميز “تكوين مصر”.

وفي التاريخ الحديث والمعاصر، كانت مصر سباقة أيضًا إلى معرفة الكثير من مظاهر النهضة وسمات المدنية الحديثة، مثل تأسيس المجالس النيابية والأحزاب السياسية والأندية الرياضية والنقابات المهنية، والمؤسسات والجمعيات الأهلية، والمؤسسات الثقافية مثل دور الكتب والأوبرا والسينما والمسرح، والمؤسسات التعليمية مثل المدارس والجامعات، بالإضافة إلى إعلان الدساتير، وإصدار الصحف وبث المحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية..، ومن هنا فإنه ليس غريبًا أن نحتفل خلال السنوات الأخيرة بعدد من المناسبات والأحداث القومية وذكرى إنشاء الكثير من الكيانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما يجعلني أقول إن الحصاد كثير. وقد نبهني الكاتب والمفكر الكبير سمير مرقس، في حوار قريب، إلى ظاهرة المئويات التي بدأنا نحتفل بها منذ عدة أعوام.

في عامنا الحالي “2023م” نحتفل بعدة مناسبات منها مثلًا مرور مائة وخمسين عامًا على رحيل رائد التنوير في مصر الحديثة العلامة رفاعة الطهطاوي 1873م، ومرور مائة عام على صدور دستور سنة 1923م، ومائة عام على وفاة “فنان الشعب” سيد درويش 1923م، ومائة عام على ميلاد قداسة البابا شنوده الثالث 1923م، وخمسة وسبعين عامًا على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م، وخمسين عامًا على انتصارات أكتوبر المجيدة 1973م.

كما تشهد الأعوام التالية عدة مناسبات مهمة وفريدة ومتميزة، ومن ذلك مثلًا لا حصرًا: مائة عام على تولي الزعيم سعد زغلول رئاسة الوزارة والتي عُرفت باسم “وزارة الشعب” 1924-2024م، مائة وخمسون عامًا على تأسيس الأهرام 27 ديسمبر 1875-2025م، ومائة وخمسون عامًا على صدور العدد الأول منها في 5 أغسطس 1876م، خمسون عامًا على وفاة كوكب الشرق الفنانة أم كلثوم 1975-2025م، مائة عام على وفاة كل من سعد زغلول وفضيلة الشيخ مصطفى القاياتي وقداسة البابا كيرلس الخامس 1927-2027م، خمسون عامًا على رحيل العندليب الأسمر الفنان عبد الحليم حافظ 1977-2027م، مائتان عام على صدور جريدة (الوقائع المصرية) 3 ديسمبر 1828م-2028م، وخمسون عامًا على تأسيس أسقفية الشباب 1980-2030م.

هذه المناسبات، وغيرها الكثير، على تنوعها وتميزها وفرادتها وارتباطها بكيانات وأشخاص رائدة ومؤثرة في المجتمع المصري، ربما تجعلنا نتوقف بعض الشيء من أجل قراءة أحداث التاريخ والإنتاج الفكري لشخصياته قراءة واعية، حيث أقترح هنا تأسيس لجنة قومية تحمل اسم “لجنة اليوبيل”، واليوبيل يعني ذكرى مرور سنوات معينة على حدث معين، فهناك اليوبيل الفضي “خمسة وعشرين عامًا”، واليوبيل الذهبي “خمسين عامًا”، واليوبيل الماسي “خمسة وسبعين عامًا”، واليوبيل المئوي “مائة عام”.

أتوقع أن تكون مهمة تلك اللجنة رصد الأحداث والمناسبات القومية، تمهيدًا للاحتفاء والاحتفال بها، وإعادة تقديمها للمواطنين، من باب تنشيط الذاكرة الجمعية الوطنية، وربط المصريين بماضيهم ودعوتهم لمناقشة الحاضر والتفكير في المستقبل، ما يحقق التواصل بين الأجيال، والاستفادة من دروس الماضي بأحداثه وأفكاره، ويدعم الهوية المصرية ويرسخ الانتماء الوطني، خاصة بين الأجيال الجديدة من الأطفال والنشء والشباب.

ومن الأنشطة التي يمكن للجنة اليوبيل تنفيذها إصدار الكتب ودعوة الصحف لإعداد ملفات عنها، إعداد الأفلام التسجيلية والوثائقية، إقامة الندوات والمؤتمرات في المدارس والجامعات والمراكز البحثية وقصور الثقافة ومراكز الشباب والأندية الرياضية والجمعيات والمؤسسات الأهلية والجوامع والكنائس..، ومن الممكن تأسيس لجان فرعية للجنة اليوبيل القومية، في كل مؤسسة. وهكذا نقرأ تاريخ مصر والمصريين لنستفيد ونتعلم منه ونحن نعيش حاضرنا، نخطط ونتطلع لمستقبل أفضل.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *