#مقالات رأى

سليم والشاروني.. ومصر الولّادة

 

بقلم: د. رامي عطا صديق

انطلقت مؤخرًا فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـخامسة والخمسين، وهو يُعد واحدًا من أهم الفعاليات الثقافية في مصر والمنطقة العربية، بما يحمله من تاريخ عريق وتأثير ثقافي كبير، حيث يزخر معرض القاهرة للكتاب بندوات وورش عمل وعروض فنية رائعة، وهو يأتي هذا العام تحت شعار “نصنع المعرفة.. نصون الكلمة”. وحسنًا فعل القائمون على المعرض من حيث اختيار اسم الدكتور سليم حسن شخصية المعرض لهذا العام، واختيار اسم الأديب يعقوب الشاروني شخصية أدب الطفل، فكل منهما مؤسس ومبدع، أضاف الكثير للثقافة المصرية والعربية والفكر الإنساني، كل في مجال تخصصه.

الأول هو عالم الآثار والمؤرخ الكبير الدكتور سليم حسن (1886-1961م)، الذي يحفل بمسيرة علمية ومهنية جليلة، حيث عمل مدرسًا للتاريخ واللغة الإنجليزية، ثم في مصلحة الآثار والمتحف المصري، وترأس البعثة المصرية التي زارت منطقة النوبة سنة 1955م لإعداد تقرير عن وسائل إنقاذ معابد المنطقة وآثارها قبل أن تغمرها مياه السد العالي، وأشرف على حفائر مصلحة الآثار في النوبة سنة 1958م وعلى عملية جرد المتحف المصري سنة 1959م.

تذكر كتابات عنه أنه تحلى بصفات طيبة ونبيلة، حيث كان وافر النشاط، عالي الهمة، جاد النزعة، وأنه اشترك في وضع الكتب التاريخية التي كانت مقررة على طلاب المدارس، حيث ألّف تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قُبيل الوقت الحاضر، وتاريخ أوروبا الحديثة وحضارتها، وشاركه في التأليف “عمر السكندري”، وترجم تاريخ دولة المماليك في مصر بالاشتراك مع “محمود عابدين“، وصفحة من تاريخ “محمد علي” بالاشتراك مع “طه السباعي”.

وكانت له حفائر واكتشافات أثرية كثيرة في منطقة الأهرامات وأبي الهول بالجيزة، وسقارة والنوبة. وله مؤلفات كثيرة يبرز في مقدمتها كتابه الأشهر والأهم “مصر القديمة” الذي أخرجه في ستة عشر جزءًا، نشرها خلال الفترة من 1940م إلى 1960م، وكتابه “الأدب المصري القديم” الذي صدر في مجلدين، وقد نقل إلى العربية كتاب “ديانة قدماء المصريين” للعالم الألماني “شتيدورف”، وكتاب “فجر الضمير” للمؤرخ الأمريكي “جيمس هنري بريستد”. كما أن له مؤلفات بغير العربية بلغت ثلاثة وثلاثين مؤلفًا وضمت كتبًا علمية منها “أبو الهول” و”الأناشيد الدينية للدولة الوسطى”، بالإضافة إلى بحوثه ومقالاته في حوليات مصلحة الآثار والمجلات الأثرية الأجنبية، وتقارير حفائر في الجيزة وسقارة والنوبة.

أما الثاني فهو الأديب الكبير يعقوب الشاروني (1931-2023م)، أحد رواد أدب الطفل في مصر والعالم العربي، الذي رحل عن عالمنا منذ أسابيع قليلة. وقد بلغ عدد الكُتب التي كتبها للأطفال أكثر من 400 كتابًا. شارك في مُناقشة عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه حول أدب الأطفال وكُتبهم كما شارك في الإشراف على إعداد عدد كبير من هذه الرسائل، ومثل مصر في عدد كبير من الحلقات الدراسية والندوات والمعارض الدولية والعربية، وقام بكتابة برامج تليفزيونية للأطفال، وله عدد من الدراسات حول تنمية عادة القراءة عند الأطفال، والقيم التربوية في قصص الأطفال، وكيف نقرأ لأطفالنا، وكيف نحكي قصة، وتنمية عقل وذكاء الطفل، وثقافة طفل القرية وثقافة الطفل الامل، وكيف نلعب مع أطفالنا.

حصد الشاروني الكثير من الجوائز، منها جائزة لجنة التحكيم الخاصة لمسابقة سوزان مبارك لأدب الأطفال/ المجلس المصري لكتب الأطفال عام 2001م في مجال التأليف عن كتابه “أجمل الحكايات الشعبية”، وفي عام 2002م حصل على جائزة الآفاق الجديدة لأفضل كتاب أطفال على مستوى العالم من معرض بولونيا الدولي لكُتب الأطفال بإيطاليا.

وحصلت روايته “ليلة النار” عام 2014م على جائزة الشرف بين أفضل روايات اليافعين على مستوى العالم العربي، وتم اختيارها عام 2016م كواحدة من أفضل كتب الأطفال عالميًّا من المجلس العالمي لكتب الأطفال بسويسرا، ما دفع هيئة الأمم المتحدة عام 2019م بالتعاون مع لجنة من “رابطة الناشرين الدولية” و”منتدى المؤلفين الدولي” إلى اختيار هذه الرواية بين أفضل كتب الأطفال على مستوى العالم، لقدرتها على الإسهام في التغيير وتحقيق أهداف التنمية المُستدامة 2030م.

في تقديري أنه يعيش بيننا الآن كثيرون من أبناء وأحفاد سليم حسن ويعقوب الشاروني، من المتميزين في مجالات المصريات والترجمة والتأليف والكتابة للأطفال..، لتثبت مصر- يومًا بعد آخر- أنها ولّادة، وأنها دائمة العطاء في مختلف المجالات ودروب الحياة، حيث أنجبت قامات كبيرة في مختلف فروع المعرفة الإنسانية، وأنها صاحبة قوى ناعمة وذكية، تجعل الشعوب الأخرى تنظر إليها بعين الاحترام والتقدير، الأمر الذي يفرض واجبات كثيرة على الأبناء المُعاصرين من حيث الاحتفاء برواد التنوير واستكمال مسيرة النهضة، حيث يظل واجب على الأبناء يتمثل في تكريم الآباء والأجداد، ومن جانب آخر الاقتداء بهم والاستفادة من مسيرة حياتهم.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *