#مقالات رأى

دعونا نفكر في المستقبل

بقلم- د. رامي عطا صديق:

فى عام 1973م، وقبل حرب السادس من أكتوبر بأيام، جاء إلى مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس، (الذى كان قد تأسس فى 12 فبراير 1967م، ثم تغير اسمه ليصبح مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات المستقبلية)، السيد/ محمد حافظ إسماعيل، المستشار السياسى لرئيس الجمهورية، وطلب إعداد دراسة عن التوقعات المحتملة فى حالة قيام حرب بين العرب وإسرائيل، واستخدام البترول كسلاح فى المعركة. وقام مدير المركز آنذاك، الأستاذ الدكتور فوزى مختار محمد منصور، بدعوة عدد من علماء المركز والجامعة إلى الاجتماع فى نفس اليوم بالمركز، وإعداد الدراسة المطلوبة، التى تم إنجازها بالفعل فجر اليوم التالى، حيث قام مدير المركز بتسليمها إلى مستشار رئيس الجمهورية، واستفادت منها الدولة خلال معركة التحرير.

وعبر تاريخ الصحافة المصرية، تنبه بعض الكُتّاب والباحثين إلى أهمية دراسة احتياجات المستقبل والاستعداد لها بالعلم والتخطيط والعمل، فأذكر مثلًا أن الكاتب والمفكر الكبير سلامة موسى (1887- 1958م) كتب مقالًا فى مجلة (المصرى) بتاريخ 25 سبتمبر 1930م تحت عنوان «عقول جديدة لزمن جديد»، أكد فيه أن التعليم يجب أن يعد المتعلمين فى مصر، سنة 1930م، وقت كتابة المقال ونشره، بما يوافق احتياجات المستقبل، سنة 1950م أو سنة 1960م «حتى إذا خرج الشاب من المدارس وجد انطباقًا بين كفاياته وبين حاجات مصر بعد ثلاثين سنة. وهذا عكس ما يحدث الآن، فإن الشاب المصرى يعلم كما كان يعلم فى القرن التاسع عشر حين كان كل هم الحكومة من التعليم أن تستخرج من المدارس موظفين».

وإذا كان التاريخ أشبه بخط يتضمن ثلاث محطات أساسية، هى الماضى والحاضر والمستقبل، فجدير بنا أن نتذكر ما قالته الدكتورة حكمت أبوزيد (1922- 2011م)، وهى بالمناسبة أول وزيرة فى العالم العربى، (وزارة الدولة للشؤون الاجتماعية)، فى كتابها (التاريخ تعليمه وتعلمه، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2008م): «طالما كان هنا حاضر، فلا بد من أن يكون هناك ماضٍ ومستقبل. والتاريخ؟. شجرة تحكى قصة هذه العناصر الزمنية، ماضيها جذورها الثابتة فى الأرض، وحاضرها جذعها المنتصب، وفروعها الممتدة إلى السماء تحمل ثمار المستقبل».

إننا كثيرًا ما نواجه بعض التحديات والمشكلات والصعاب، فضلًا عن بعض المفاجآت والأزمات، ومن المتوقع أن نقابل مثلها فى المستقبل، وهو الأمر الذى يستوجب أخذ الحيطة وتوخى الحذر، ومن جانب آخر فإننا كثيرًا ما نتطلع إلى التحديث والتطوير، ومن هنا فإن الاهتمام بالمستقبل فى كل المجالات ومختلف ضروب المعرفة ليس ترفًا وليس رفاهية، بل هو عملية علمية، مطلوبة وضرورية، لتحسين وجه الحاضر والتمتع بمستقبل أفضل، عبر تخطيط مدروس وفقًا لمعطيات الماضى وظروف الحاضر، حيث تُعنى الدراسات المستقبلية باستشراف المستقبل والتنبؤ بمستقبل ظاهرة ما بعد فترة زمنية معينة، قد تكون خمس سنوات أو أكثر من ذلك، انطلاقًا من تاريخ الظاهرة وحاضرها.

والدراسات المستقبلية تقوم على الإبداع والابتكار والتجديد، من حيث التخطيط والاستعداد وليس رد الفعل والمفاجأة، تهتم برصد التوقعات والتنبؤ بالمستقبل لتقديم نظرة بعيدة المدى، بالكشف عن نقاط القوة والضعف وكيفية التعامل مع الفرص والتحديات، ورصد السيناريوهات متوقعة الحدوث فى المستقبل، حيث تتنوع تلك السيناريوهات- حسب البعض- بين ثلاثة سيناريوهات أساسية: الأول: يبقى الحال على ما هو عليه، الثانى: أن يتغير الوضع إلى الأفضل، الثالث: أن يتحول الوضع إلى الأسوأ، وحسب تصنيف آخر هناك السيناريو المتفائل والسيناريو المتشائم والسيناريو المستقر.

من الموضوعات، التى تمت دراستها أو أنها تحتاج لدراسات أخرى تكميلية، قضية التغيرات المناخية ومصادر الطاقة، مستقبل التربية والتعليم، والتعليم الجامعى والبحث العلمى، مستقبل الزراعة والصناعة والتجارة، مستقبل الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والجمعيات والمؤسسات الأهلية، مستقبل الثقافة وصناعة الكتاب، مستقبل الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام، مستقبل الفنون بأنواعها الدرامية والتشكيلية، وغيرها من موضوعات وأفكار بحثية.

وإذا كانت هناك بعض المراكز البحثية المعنية بالدراسات المستقبلية فى مصر والمنطقة العربية والعالم الغربى، فإننى أتطلع إلى أن تكون هناك إدارة للمستقبليات فى كل وزارة ومؤسسة وهيئة.. فى المدارس والجامعات والأندية الرياضية والجمعيات الأهلية.. مع الاهتمام بدعمها وتعضيدها وتشجيع الباحثين على ارتياد الدراسات المستقبلية حتى يستفيد صُنّاع القرار من تلك الدراسات ونتائجها، فلا ننظر تحت أقدامنا، بل نتوجه إلى الأمام ونتطلع إلى آفاق أوسع وأرحب.

المصري اليوم

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *