#مقالات رأى

الدراما والوعي بعد ثورة 30 يونيو

د. نسرين عبدالعزيز

لاشك فى أن ثورة 30 يونيو كانت لها صدى كبير على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية، ودائما ما نقول إن الفن مرتبط بالمجتمع ولسان حاله والمعبر عنه بكل ملابساته ومتغيراته، كما أن الدراما السينمائية والتليفزيونية هى مرآة هذا المجتمع أيضا وهى من أهم أدوات التوثيق للأحداث التاريخية والسياسية والتغيرات الأيدولوجية لكل مرحلة زمنية ـ كما أنها مترجم للمشاعر الإنسانية والصراعات الداخلية التى يعيشها الإنسان فى كل مرحلة .

وحقيقة الأمر أنه تم إنتاج كثير من الأعمال الدرامية التى تناولت فترة حكم الإخوان المسلمين والفترة التى سبقت ثورة 30 يونيو، والأسباب التى أدت إلى اندلاعها من غضب الشعب والمجتمع من النظام الحاكم فى هذه الفترة.

ومن أهم هذه الأعمال مسلسل الاختيار بأجزائه الثلاثة الذى يُعد من أكثر الأعمال الموثقة لأحداث فترة ما قبل ثورة 30 يونيو ومقدمات الثورة ونتائج هذه الثورة وتلاحم أجهزة الشرطة والمخابرات والجيش معا لحماية الوطن والوقوف أمام الجماعات الإرهابية وكل من سولت له نفسه تدمير هذا الوطن وتفتيته، بالإضافة إلى التركيز على نجاح هذه الأجهزة مع الإدارة الواعية وإرادة الشعب التى لم تُقهر فى الخروج من أزمة حكم الإخوان، بالإضافة إلى تطعيم الشق الدرامى بالوثائق المسجلة صوتا وصورة مما أثقل العمل وأضاف مصداقية له أكثر ، مع إبراز دور الأبطال الحقيقيين الذين ضحوا بحياتهم من أجل تحرير الوطن والحفاظ عليه .

أيضا كان هناك اهتمام فى المسلسلات المستوحاة من ملفات المخابرات العامة مثل مسلسل هجمة مرتدة ومسلسل العائدون الذى ركز على الاتجاهات الحديثة فى تجنيد الشباب فى الجماعات الإرهابية، ومسلسل القاهرة كابول الذى كشف عن جذور الأفكار الإرهابية وكواليس حياة الإرهابيين وقياداتهم، وكان لهذه الأعمال جميعها دور كبير فى تسليط الضوء على الدور الذى قامت به أجهزة المخابرات المصرية فى كشف الكثير من المخططات الإرهابية لتدمير مصر سواء من خارجها أو من داخلها، كما ظهرت بعض الخطوط الدرامية فى بعض المسلسلات وارتبطت بتناول فترة حكم الإخوان كما شاهدنا فى مسلسل سلسال الدم الجزء الرابع. ومؤخرا فى مسلسل سره الباتع الذى مزج بين أحداث فترة الثورة الفرنسية وفترة ثورة 30 يونيو واختتم فى حلقته الأخيرة بكلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ثورة 30 يونيو عام 2013م التى ألقاها وقتها وأعلن فيها الاستجابة لمطالب الثوار المصريين ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين وتعطيل العمل بالدستور.

أما بالنسبة للأفلام السينمائية فقد كان فيلم المشخصاتى 2 من أهم الأعمال السينمائية بل أولها والتى تناولت فترة حكم الإخوان المسلمين بشكل ساخر وكوميدى ،فكانت بمثابة محاكاة للفترة ما بين 25 يناير و30 يونيو وانتهت بثورة الشعب واهتمت برد فعل المواطنين نحو قرارات الرئاسة وقتها، كما كان فيلم اشتباك وجواب اعتقال من الأعمال التى تناولت فترة ما بعد ثورة 30 يونيو وملابسات هذه الفترة فى شىء من الواقعية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد كان لثورة 30 يونيو تأثير كبير على آلية الإنتاج الدرامى السينمائى والتليفزيونى أوالصناعة بشكل عام فأصبح هناك اهتمام أكثر من جانب القيادات السياسية بالفن والدراما بشكل خاص، واعتبار الدراما من أهم القوى الناعمة داخل الدولة وأن فنانى مصر عليهم مسئولية فى خوض معركة الوعى ورفع وعى المواطنين كما ذكر سيادة الرئيس السيسى فى كثير من خطبه ولقاءاته مع الفنانين الذين يدعمهم دوما ويعطيهم حرية ومساحة كبيرة للإبداع، فازداد وعى صناع الدراما بأهمية الأعمال الوطنية وحدثت طفرة على مستوى كبير فى إنتاج الدراما الوطنية المصرية وكان أولها فيلم الممر الذى خلق حالة غير مسبوقة من ارتفاع نسبة المشاهدة وإقبال الجمهور من جميع الفئات وسحب البساط من الأفلام التجارية غير الهادفة وأعاد بث الروح الوطنية فى نفوس الشباب وقدم بطولات الجيش المصرى وأبنائه وسجلها فى ذاكرة المواطنين بكل مشاعر الحب والفخر والاعتزاز. أيضا زاد الاهتمام بإنتاج المسلسلات التليفزيونية الوطنية وعادت مرة أخرى بقوة مثل الاختيار بأجزائه الثلاثة والمسلسلات المستوحاة من ملفات المخابرات المصرية كما ذكرنا من قبل، بالإضافة إلى انتعاش الدراما النسوية وتطرقها إلى موضوعات مسكوت عنها لفترة طويلة مثل قوانين الأحوال الشخصية والوصاية وقانون الولاية التعليمية كما شاهدنا فى مسلسل فاتن أمل حربى ومسلسل تحت الوصاية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على النماذج الناجحة من السيدات والاهتمام بقضايا المرأة المعيلة وحرمان المرأة من الميراث فى محافظات الصعيد والأرياف وذلك فى مسلسل ستهم ومسلسل عملة نادرة، مع التطرق لبعض القضايا الاجتماعية المهمة ومنها تمكين المرأة والمساواة فى الحقوق وهذا ما تناوله مسلسل حضرة العمدة. وما بين الطفرة فى إنتاج الدراما الوطنية التى تستهدف رفع الوعى السياسى للمواطنين وربط الشباب بوطنهم وغرس الحماسة وحب الوطن، والدراما النسوية التى باتت تهتم أكثر بقضايا المرأة والمسكوت عنه وعودة الدراما الدينية لربط المشاهد بقدوته الدينية ورموز دينه، لا يزال هناك الكثير والكثير من إبداعات وإنجازات صناع الدراما المصرية تحت ريادة وإستراتيجية حاكمة وواعية بدأت مع ثورة 30 يونيو وتجنى ثمارها حاليا.

أستاذ الإذاعة والتليفزيون- إعلام الشروق

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *