#مقالات رأى

“بابا جه”.. رسالة إنسانية

أ.د. إلهام يونس

“بابا جه” من الكوميديا الاجتماعية التي عُرضت في شهر رمضان الكريم 2024م، وهو وإن كان مُقتبسًا من فيلم كوري بعنوان”Dad for Rent” ، إلا أنه يلمس قضية مهمة جدًا، باتت تؤرق المُشتغلين على علم نفس الطفولة، خاصةً بعد ظهور حالات الاضطرابات النفسية عند الأطفال والمراهقين بشكلٍ متكررٍ، والمتمثلة في اضطرابات “الأكل، والنوم، والشعور بالاكتئاب”.

ويُعد التفكك الأسري، سواءً لانفصال الأب عن الأم، أو قلة تواجدهم في المنزل لفترات طويلة، لظروف العمل، أحد أهم أسباب هذه الأمراض التي تُسمى حاليًا بـ”أمراض العصر”.

وتطرق هذا المسلسل الكوميدي لتجسيد قضية إنسانية، من خلال عرض الخلل في العلاقة بين الأب وابنته، والذي امتد لسنوات طويلة، مما دفع الابنة للإعلان على الملأ وفي إحدى فعاليات المدرسة أن والدها عديم الفائدة، وإنها يُمكن أن تمنحه لمن يُريد، وهو ما يُقابل بحفاوة وسعادة من طفلٍ آخر يتيم الأب، ويحتاج لوجود أب في البيت.

ليُصبح هذا الموقف هو نقطة التحول في حياة البطل، إذ يُنشئ صفحة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي؛ لتقدم خدمة “بابا جه”، للباحثين عن أب للإيجار عدة ساعات أو أيام، لتفصح هذه الصفحة عن الأزمة المُجتمعية التي يمر بها العديد من الأسر، وهي إهمال الآباء لاحتياجات أولادهم العاطفية والنفسية، الأمر الذي يُحول هؤلاء الأبناء إلى مُتنمرين، أو يميلون للعزلة، وفقدان الثقة بالنفس، والشعور بالانتماء، وفي دعوة من بطل العمل لتفعيل هذه الخدمة، دعت صفحة “بابا جه” لتعيين آباء جُدد يقدمون نفس الخدمة، وكانت المفاجأة أن طلبت ابنة البطل “أب للإيجار”، وهنا وصلت الأحداث لذروتها، وانتفض الأب الحقيقي، ورفض جميع الإغراءات المادية والمكاسب مقابل عودته إلى الاهتمام الرئيس لكل أب، وهو أسرته.

المسلسل يحمل جانبًا من الاستخدامات الإيجابية لمواقع التواصل الاجتماعي، وكيف حولت العالم إلى قرية كونية صغيرة؟ كما تنبأ عالم الاتصال الكندي “مارشال ماكوهان”، وكيف أن الميديا الحديثة ساهمت في إعادة تشكيل وعي الأب “الذي جسد شخصيته ببراعة وخفة ظل الفنان أكرم حسني”، بعد معرفته بتجارب العديد من الأسر التي تضع العمل والمكاسب المادية على قائمة أولوياتها، مُتناسية رسالتها وأولوياتها الأولى، وهي الاهتمام بالأبناء.

“بابا جه”، دراما اجتماعية بنكهة كوميدية، وحبكة قوية مُلهمة، وُلدت من رحم الأزمات النفسية والعلاقات الأسرية المُترهلة؛ مسلسل “بابا جه” الذي يشهد بطولته المُطلقة النجم “أكرم حسني”، والت تُعد ثاني تجربة له كبطولة مُطلقة، بعد تجربته بمسلسل “مكتوب عليا” في رمضان عام 2022م، الذي حقق نسب مُشاهدات مُرتفعة، ورفع سقف توقعات الكثيرين تجاه ما يُقدمه أكرم مُستقبلًا.

ورغم أهمية الرسالة الإنسانية التي يطرحها “بابا جه”، فإن اختيار أكرم حسني الذي اعتاده الجمهور “كوميديانًا” خوض السباق الرمضاني بهذا المسلسل، يُعد بمثابة تحدٍ جريء؛ حيث قدم نفسه هذا العام بشكلٍ مختلفٍ تمامًا عن السنوات السابقة، وأظهر قدرات تمثيلية رفيعة المُستوى في أكثر من مشهدٍ، في حين أفسح المجال لـ”أوتاكا وياسر الطوبجي”؛ لشغل مساحات كوميدية؛ مؤكدًا أن اعتماد المسلسل بالأساس على الموقف لا الإفيه، ساعد في توليد كوميديا مُنضبطة، وهو ما ضاعف مفاجأة الجمهور هذا العام، وبالتبعية تقديرهم لطبيعة المسلسل الذي جاء في خمسة عشر حلقة، مما جعل أحداث المُسلسل مُكثفة وجاذبة لانتباه المُشاهدين.

وقد ساهمت عناصر العمل الفني المتميز، من جودة سيناريو لوائل حمدي، ومحمد إسماعيل أمين، وقوة بطل المسلسل الفنان أكرم حسني، وكذلك الإخراج لخالد مرعي، والإنتاج لشركة ميديا هب، في منح العمل الانضباط الفني والإيقاع المقبول، بالإضافة إلى كادرات مبدعة في تسلسل وتناغم جذاب جدًا للمُشاهد.

“بابا جه” كوميديا اجتماعية تغرس قيمًا إيجابية، وتُعيد ترتيب أولويات الأسرة المصرية، فهي باختصار تُجسد الدراما الهادفة التي تدق ناقوس الخطر، وتقدم تصور لحل المُشكلة.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *