#ثقافة وفن

د. إلهام يونس تكتب:”تحت الوصاية” و”أريد حلًا”

وسط الزخم الكبير من الدراما الرمضانية ووسط انقسام الرأي العام ما بين محب ومتابع إلى مناهض ومعارض أطلت علينا فى اليوم السادس عشر من الشهر الفضيل الفنانة منى ذكي بوجهها المصرى البسيط والتلقائى لتجسد شخصية حنان الزوجة التى غيب الموت زوجها، تاركًا لها طفلين لتبدأ رحلة من المعاناة مع قوانين تجحف المرأة حقها مثل قانون الولاية على المال الذي تم وضعه سنة 1975 أي منذ 75 سنة وينص على أن ولاية الأبناء للأب ثم الجد.

وتدور أحداث المسلسل في إطار درامي محبوك سبق كل المسلسلات المنافسة بعدة درجات ويتمتع بعناصر فنية شديدة التمييز بداية من السيناريو لخالد وشيرين دياب مرورًا بالتصوير والموسيقى التصويرية والمونتاج والإخراج لمايسترو العمل محمد شاكر خضير الذي يعى الدور الاجتماعي للدراما وتأثيرها المجتمعي.

والحقيقة أن هذا المسلسل تحديدًا كانت تهفو النفوس إلى مشاهدته قبل أن يبدأ الشهر الفضيل وسجلت محركات البحث معدل كبير للبحث عن مواعيده ومكان إذاعته وذلك بسبب الدعاية غير المباشرة التي حققها رواد مواقع التواصل الاجتماعي الباحثون عن تريند حين ظهر البانر الدعائي لهذا المسلسل ويحوي صورة الفنانة منى ذكي وهي ترتدي الحجاب ويحمل وجهها علامات الإرهاق والتعب وتحمل عينها نظرات الحزن والهم؛ وقتها ردد هؤلاء النشطاء “أن هذا المسلسل يسيء للمرأة المحجبة ويظهرها بشكل رديء”، دون أن يرى أي منهم حلقة واحدة من هذا المسلسل!! والحقيقة أن هذا الدور يعد تطور جديد لشخصية الفنانه منى ذكي التي جسدت هذه الشخصية ببراعة واحتراف تعكس قدرات فنية غير عادية وموهبة فطرية متفردة وتتضح هذه الموهبة المتفردة في مواجهة شخصية حنان للعديد من مستويات الصراع بداية من صراعها مع أهل زوجها اللذين يرغبون في السطو على تركة الأبناء عن أبيهم والمتمثلة في مركب صيد ومرورًا بإتهامهم لها بسرقة هذا المركب وكذلك صراعها مع التجار اللذين أشعلا عليها حرب المنافسة خوفًا على تجارتهم ووصولًا لخوفها الداخلي من واجهة مجتمع الصيادين وهي أنثى دون خبرة في هذا العمل أو التعامل مع هذا المجتمع.. ووسط كل هذا كيف تظهر الشخصية في مظهر الأنثى الجميلة التي تملك رفاهية الملبس الشيك والإكسسوارات الفخمة ومن خلال تحليلي لبعض حلقات المسلسل تبين أن مظهر منى ذكي هو أحد أدوات مصداقية العمل بالإضافة إلى المكياج والديكور والمفرادات المستخدمة في الحوار والمستمدة من مجتمع الصيادين.

ولم يترك المسلسل تفصيلة في حياة حنان إلا وتطرق لها في مشاهد منسوجة كسيمفونية جذابة تدفع الجمهور إلى الحرص على المتابعة، فمشاهد حنان الأم وعلاقنها القوية بابنها ياسين وحرصها على اللعب معه ومشاركته أفكاره وألعابه رغم الهموم الكثيرة التي تعيشها تعد دروسًا في تربية الأبناء. وحنان الأخت التي تحرص على التواصل مع أختها لتستمد منها الدعم والأمان. وحنان الجارة التي تقدم هدايا لجيرانها من تجارتها.

تمتد قوة هذا العمل ليصل من وجهة نظري إلى قوة فيلم “أريد حلا” الذي يعد أحد الأعمال الدرامية التي ساهمت فى تغيير قوانين الأحوال الشخصية هذا الفيلم الذي عرض سنة 1975، ويحتل المركز 21 ضمن قائمة أفضل 100 فيلم مصري، وهو عن قصة للكاتبة المتميزة حسن شاه وسيناريو وحوار سعد الدين وهبة والإخراج لسعيد مرزوق والبطوله لسيدة الشاشة العربية “فاتن حمامة” والفنان العبقري “رشدي أباظة”.

ويشترك العملان “أريد حلًا” و”تحت الوصاية” في تناولهما لموضوعات قوية وجريئة تمس المرأة المصرية بشكل جاد مع محاولة إبرازهم للظروف القمعية التي تعيش بعض النساء في ظل القوانين الوضعية وأتوقع بانتهاء عرض المسلسل سوف تتبارى البرامج والمواقع الإخبارية لمناقشة هذه القضية الهامة جدًا وفتح الحديث حول قوانين وضعت من عشرات السنوات نتمنى أن تحدث وقفة مع هذه القوانين كما أحدث فيلم أريد حلًا وقفة أدت إلى تغيير قانون الأحوال الشخصية سنة 1987 لأن هذا الفيلم له أسبقية في تقديم قضية الخلع حيث تناول دور درية “فاتن حمامة” التي تطلب الطلاق من زوجها الدبلوماسي “رشدي أباظة”، ولكنه يرفض فترفع دعوى طلاق وتواجه العديد من المشكلات والعقبات التي تحول دون الحصول على حقها.

يرى بعض المشاهدين أن المسلسل ينتصر للمرأة وهناك دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة إعادة النظر في نص هذه القوانين فهل من المعقول أن تكافح الأم وتتحمل كل الأعباء وتواجه صراعات لا طاقة لها بها من أجل مصلحة أبنائها ويمنعها القانون من التقديم لابنها في المدرسة ولا تملك سلطة إدارة أمواله التي ورثها عن والده وهو طفل لا يعي شيئًا، فالدراما الهادفة هي التي تحدث تأثيرًا مجتمعيًا وصحوة لإعادة تصحيح نصوص هذه القوانين المصيرية جدًا.

تحت الوصاية دراما اجتماعية هادفة مصنوعة بحرفية وتميز شديدين وتعالج واحدة من القضايا التي تؤرق الأسرة المصرية بعد فقد عائلها خاصة في وجود أطفال قصر وتتساوى في عناصرها الفنية المتميزة مع فيلم “أريد حلًا” ذلك الفيلم الرائد الذي استطاع بجدارة تغيير قوانين الأحوال الشخصية.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *